في جماعة من الغلمان، وقال لدُبَيس: تسيرُ معنا. فاحتجَّ وقال: أنا أسير من عسكري؟ مَنْ يقوم مقامي؟ فبعث ستَّ مئة رجل، وكان مع الوزير مئة وعشرون غلامًا وحاشيتُه، فنزل بسفايا وفيها القلعة، وكان بها الحسن بن أبي البركات بن ثِمال قد صار إليها في نحو خمسين فارسًا؛ لأنَّ أهلها راسلوه: بأنك متى لم تحصَلْ عندنا لنقاتل بين يديك سلَّمناها إلى السلطان.
وكان سور المدينة منيعًا، فقاتلهم وقاتلوه، ونصب عليهم المِنْجَنيق، ونقب النقَّابون السور، فرمَوا منه قطعة، وهجم العسكرُ البلد وقد كانوا صعدوا حريمهم وأموالهم إلى القلعة، ولم يتركوا في الرَّبَض إلَّا الثقل والمواشي والغَلَّة، وتشاغل العسكر بالنهب، وطلب القومُ القلعةَ وازدحموا في بابها، فهلك منهم نيِّفٌ وسبعون نفسًا، ورمى العسكرُ النارَ في الدُّور، وهبَّتْ ريحٌ عاصفٌ فساعدتها، ودام الحريقُ ثلاثةَ أيام، حتَّى أتى على المدينة فصاح صائحٌ من القلعة: أتوكم بنو خفاجة. وكان الوزير قد مرض وتفرَّق عنه أصحاب دُبيس إلَّا القليل، فلم يبقَ معه سوى ثلاث مئة رجل، وبعضُ الغلمان مجروح، وبعضهم مريض، ولم يبقَ للوزير طمع في القلعة إلا بالمصابرة والمدد، وعزم على الرجوع عنهم، فكتب الحسن بن أبي البركات إليه يقول: أنا خادم السلطان، وما فارقتُ طاعتَه، وما فَعَلَ ما فُعِلَ إلا طائفةٌ لم يكن لي عليهم أمر، ولو وَثقْتُ لنزلتُ إلى الوزير وطرحتُ نفسي بين يديه، وعوَّلْتُ في إصلاح أمري عليه. فكتب له الوزير جوابًا لطيفًا، وعاد لمرضه، وضَعْفِ مَنْ معه، وفَلِّهم إلى بغداد، وأمَّا العَين فإنها تُعرف بِعَين التمر، لكثرة نخلها ومائها، والقلعة على حدبة منها حصينة مبنية بالحجارة المركبة بعضها على بعض، تحوي ألفَ إنسان وأكثرَ، وكانت في أيام مُعِزِّ الدولة في يد ضبة الأسدي الَّذي هجاه المتنبي بقوله:
ما أنصف القوم ضبَّة
وقيل: إن الشعر بلغه، فأقام له عند رجوعه من فارس مَنْ قتله وقَتَلَ ابنَه معه، وأخذ ما كان معه، والذي جهَّزه ضبة لقتله فاتك بن أبي جهل الأسدي، وكان ضبَّةُ يقطع