الطريق، ويُخيف السبيل، ويأخذ الأموال، ويشُنُّ الغارات، ويلجأ إلى هذه القلعة فلا يتمكَّنُ منه، فلمَّا ورد عضد الدولة بغداد سنة تسع وستين وثلاث مئة أنفذ مَنْ قبض عليه، وأخذ منه الناحية قهرًا، ورتب في القلعة حُرَّاسًا، فلمَّا مات وقام صَمْصام الدولة قصدها أخو ضبَّة وملكها، وسلك فيها طريقَ أخيه، ووافى شرف الدولة فأرسل إليه مَنْ حاصره خمسة أشهر، وخرج بأمان، فقبض عليه، وانتقلت إلى مبادر بن ضبَّة، فقتله دُبَيس بن مَزْيَد، ثم استولى عليها بنو خَفاجة، فهي معقِلٌ لهم وإلى هَلُّمَّ جرًا.
وفي هذا الوقت حاول أبو الحارث البساسيري قَصْدَ أبي الفتح بن وَرَّام لمشاجرةٍ جَرَتْ بينهما في شيء من أمور النهروانات [فمنعه القائم منعًا أثار ما أثار.
وفي ذي القعدة شغب الأتراك] (١) وضربوا خيامهم ظاهر بغداد من الجانبين، وضجُّوا مِنْ تأخُّر الأرزاق والأقساط ووقوعِ الاستيلاء على إقطاعاتهم، فكتب جلال الدولة إلى دُبَيس وابن وَرَّام وأبي الفوارس بن سعدي بالقدوم عليه ليستظهر بهم على الترك، وراسل الأتراك يعتبهم، ويقول: كان ينبغي أن نجتمع في دار المملكة وتُعرِّفونا أحوالكم لنُزيل شكواكم. فلم يلتفتوا، وقالوا: ما يُزيل شكوانا إلا الخليفة. ثم جاء منهم جماعةٌ فكَمنوا تحت داره، فنزل بعضُ الحاشية فثاوروهم، فقتلوا بعضَهم، وألقى بعضُهم بنفسه في دِجلة، وركبوا على أن يحيطوا بدار السلطان، فأرسل إليهم الملك يقول: إن قنعتُم بما قُرِّر لكم وإلا فأعطوني مقدار ما يقوم بي، وتسلَّموا البلاد. وعبر إلى الجانب الغربي، وبعث حرمه إلى دار الخليفة، وثارت الفتن، وأُحرقت الدواليب، ونهب الناس، ثم سكنت الفتنة.
[وفيها مات شبيب بن وثَّاب النُّميري صاحب حرَّان].
ولم يحجَّ [في هذه السنة] من العراق أحد.
وولَّى صاحبُ مصر على دمشق ناصرَ الدولة الحسن بن الحسين بن حمدان التغلبي.