للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل لها: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ أي: حركيها، والمعنى فيه من وجوه:

أحدها: أنه أخبرها أن بعض الأشياء لابدَّ له من سبب.

قال الشاعر: [من الطويل]

عليك بتقوى الله في كلِّ حالةٍ … ولا تَرَ أنَّ الحَزْمَ في تركِكَ الطَّلبْ

فإنَّ الذي أحيا لمريمَ جِذْعها … وقال لها هزِّيه تَسَّاقَطِ الرُّطَبْ

فلو شاء أَحْنَى الجِذْع من غير هزِّه … إليها، ولكن كلُّ شيءٍ له سببْ (١)

والثاني: أراد أن يكون في يدها معجزة، كما جعل معجزات بعض الأنبياء في أيديهم.

والثالث: لأنها علَّقت قلبها بولدها فعُوقِبَتْ بالهزِّ.

والرابع: أنها قالت: لا تعجبوا من ولد بغير أب، فهذه النَّخْلة اليابسة من غير تلقيح ولا فحل، قد تساقط منها الرُّطَب، أعجبُ.

وقيل: هزِّي إليك شجرة التوحيد والتمكين تَسَّاقَط عليك رُطَبُ الرِّضى والأُنس والصدق واليقين.

فإن قيل: فلم أجرى النهر بغير سعيها، ولم يعطِها الرُّطَبَ إلا بالهزِّ؟ قلنا: أراد أن يريها أنه يفعل بسبب وبغير سبب.

﴿رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: ٢٥] أي: غضًّا.

وقال الربيع بن خثيم: ما للنفساء مثل الرطب، أو خير من الرطب، وقرأ هذه الآية. وكان رسول الله إذا وُلد مولود حنَّكه بالتمر (٢).

﴿فَكُلِي﴾ من الرطب ﴿وَاشْرَبِي﴾ من النهر ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ بولادة عيسى ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦] أي: صمتًا، أي: سكوتًا، وإنما أُمرت بالسكوت لأنها لم يكن لها حجة عند الناس، وسِنُّها يومئذ على الخلاف الذي قدمنا.


(١) الأبيات عدا البيت الأول في "المستطرف" ١/ ٢٩٤، وثمار القلوب ١/ ٣٠٧، ورواية البيت الأخير:
فلوشاء أن تجنيه من غير هَزِّهِ … جنتهُ ولكن كل شيءٍ له سبب
(٢) ورد في تحنيك رسول الله المولود بالتمر أحاديث عدَّة، منها: ما أخرجه أحمد في "مستده" (١٢٧٩٥) عن أنس . وما أخرجه البخاري (٥٤٦٧)، ومسلم (٢١٤٥) عن أبي موسى .