للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن عباس: إنما أمرها بالصمت لأنها لم يكن لها ما تدفع به الخصوم.

وقال ابن أبي نَجِيح: هذا إنما قالته قبل أن يتكلم عيسى في المهد.

قلت: وأيُّ حُجَّة أبلغ من جَرْي النهر، وإخراج الرُّطَبِ من جِذْع يابس، وإنما قد ورد أن الملائكة كانت تحدِّثها وتؤانسها، فاشتغلت بذلك عن إقامة العذر لبني آدم.

فإن قيل: فإنْ كان أَمَرها بالسكوت فقد قال: ﴿فَقُولِي﴾ وإن كان أَمَرها بالصوم المتعارف فقد قال: ﴿فَكُلِي﴾!

فالجواب: إنما أمرها بالسكوت في بداية الحال لعدم البرهان فلما تكلم عيسى زال السكوت، وقال لها: ﴿فَقُولِي﴾، وأما الصوم فلأنها كانت صائمة، وكانوا يتعبدون بالصمت في الصوم، فلما ظهر برهانها قال لها: ﴿فَكُلِي﴾.

وقال ابن الكلبي: حملها يوسف النجار وابنها، فأدخلهما غارًا، فأقامت فيه أربعين يومًا حتى تعالَّت من نفاسها، فخرجت به، فذلك قوله تعالى: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾، فلما رأوه حزنوا وبكوا؛ وكانوا قومًا صالحين، ﴿قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٧] أي: عظيمًا.

﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ وفيه أقوال:

أحدها: أنهم عنوا هارون أخا موسى بن عمران، لأن أمها كانت من نسله، ورواه أنس مرفوعًا (١).

والثاني: أن هارون كان رجلًا صالحًا من بني إسرائيل، وليس بهارون أخي موسى، قاله قتادة، قال: وكان رجلًا صالحًا، شيَّع جنازته من أولاد الأنبياء أربعون ألفًا، كلهم اسمه هارون، شبهوها به في صلاحه، وكانت كذلك (٢).

والثالث: أنه كان في بني إسرائيل رجل اسمه هارون من أفسق الناس، فشبهوها به.


(١) لم نقف عليه من حديث أنس مرفوعًا، وانظر تفسير الثعلبي ٦/ ٢١٢، وأخرجه الطبري في "تفسيره" عن السُّدي ١٥/ ٥٢٥، وأخرجه ابن أبي حاتم - فيما ذكر ابن كثير ٣/ ١١٩ - عن محمد بن كعب القرظي، قال ابن كثير: وهذا القول خطأ محض، وانظر البداية والنهاية ٢/ ٤٤٧ ..
(٢) انظر "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٧، و"تفسير الطبري" ١٥/ ٥٢٣، وعرائس المجالس ٣٨٨.