للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والرابع: هارون اسم أخٍ لها من أُمها وليس من أَبيها. رويت هذه الأقوال عن ابن عباس.

﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ﴾ أي: زانيًا ﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٨] أي: فاجرة، فمن أين لك هذا الولد؟ ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ أن كلِّموه، فتعجبوا و ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩].

فإن قيل: فمن أين لها أنه يتكلَّم وهو طفل؟

فالجواب: ما ذكره مقاتل، قال: كلمها عيسى في الطريق، فقال لها: يا أُمَّاه، أبشري، فإني عبد الله ورسوله ومسيحهُ. فكانت على ثقةٍ من كلامه. ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ وهو الإنجيل، ومعناه: سيؤتيني.

وقال ابن أبي نَجِيح: إنما نطق عيسى في أول كلامه: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ ردًّا عليهم، لأنه علم أنهم يقولون: ابن الله، فاعترف بالعبودية والنبوَّة، فارتفعت ضرورة النبوة.

وقال مجاهد: كان ثديها في فمه، فنزعه وكلمهم جالسًا.

وقيل: معنى قوله: ﴿آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ أي: عِلْمَ التوراة وأنا في بطن أمي ﴿وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ أي: سيجعلني، ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ وهذا يدل على أنه كان لهم شرائع وعبادات.

وروى السُّدي عن أشياخه، قالوا: كانت مريم تخدم الكنيسة مع ابن عمها يوسف النجَّار، فهو أوَّل من أنكر حملها، وقال لها: هل ينبت زرع من غير بذر؟! فقالت: ألم تعلم أن الله خلق آدم وحواء من غير ذَكَر. قال: وقد وقع في بعض الأناجيل أن يوسف النجَّار خطب مريم وتزوَّجها، فلما زفت إليه وجدها حاملًا، فأراد أن يفارقها، فرأى تلك الليلة في منامه ملَكًا، فقال: أمرها من الله، فتركها.

وقال مجاهد: كان الملِك الذي كان في ذلك الزمان مَن زنى قتله، واسمه هرادش (١)، فأخذها يوسف وهرب بها. وهذه روايات ضعيفة. والأول أصحُّ.


(١) في (خ): هرداش.