وقال علماء السِّير: ولد عيسى في زمان أَرْدشِير بن بابك بعد الإسكندر بثلاث مئةِ سنة وقد ذكرناه في ترجمة يحيى.
وكانت المملكة في ذلك الوقت لملوكِ الطوائف، وكانت الرياسة بالشام لقيصر ملك الروم، وكان هرادش نائبًا من قيصر بالشام. ولما شاع خبر عيسى قصد الملِك وبنو إسرائيل قتله؛ وذلك لأنهم نظروا إلى نجمٍ طلع يكون سببًا لظهور دين عيسى، فبعث الله ملكًا إلى يوسف يأمره بإخراج مريم وابنها إلى مصر، فسار بهما على حمار، وكانت مريم تغزل الكَتَّان، وتَلْقُطُ السُّنْبُلَ وتتقوَّت به.
ولما بلغ عيسى خمس سنين حملته إلى المعلم، فقال له: قل: بسمِ الله، فقال: وما بسمِ الله؟ فقال المعلم: لا أدري، فقال عيسى: الباء بَهَاء الله، والسين سَناؤه، والميم مُلْكه (١). فعَجِب المعلم وأحبه.
وقال مجاهد: كان عيسى آدَمَ، سَبْطَ الشَّعر، وقيل: أبيضَ، لم يدهن رأسه قطُّ. وكان يمشي حافيًا، ويركب الحمار، ويجلس على الأرض، ويأكل الحشيش، ويصوم النهار، ويقوم الليل، وكان يجتمع على بابه كل يومٍ من المرضى والزَّمْنَى خمسون، فيداويهم بالدعاء فيبرؤون، فاتَّبعه خلق كثير، وسألوه أن يُحيي سام بن نوح، فجاء إلى قبره، وناداه: يا سام، فانشقَّ القبر عنه، وقام ينفض التراب عن رأسه، وقال له عيسى: منذ كم متَّ؟ قال: منذُ أربعةِ آلافِ سنةٍ، أو ثلاثةِ آلافِ سنةٍ، وما بردت عنِّي حرارة الموت. ثم قال لهم سام: هذا عيسى روح الله وكلمته وآيته، فاتَّبِعوه ولا تعصوه.
وقال السُّدي: وصف لهم عيسى سفينة نوح، فقالوا: نحب أن نرى من شَهِدَها. فأتى بهم إلى الثَّنيَّة من أرض حَوْرَان، فسأَل الله، فأقام سامَ ابن نوح، وقد شاب نصف رأَسه، فقال: أقامت القيامة؟ قال: لا، ولكني دعوت الله باسمه الأعظم فأحياك. فنعت لهم السفينة، ثم عاد إلى قبره.
وقال ابن عباس: كان عيسى يقول: لباسي الصوف، وشعاري الخوف، وبيتي
(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ١١٩ - ١٢٠، من حديث ابن مسعود مرفوعًا، وأورده ابن كثير في "تفسيره" ١/ ١٩، وقال: وهذا غريب جدًا، وقد يكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات.