للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسجد، وطيبي الماء، وأكلي من نبات الأرض، وإدامي الجوع، ودابتي رجلي، وسراجي القمر، وصلاتي في الشتاء في مشارق الشمس، وفاكهتي ورَيْحاني بُقُول الأرض، وجلسائي المساكين والزَّمْنَى، وأُصبح وأُمسي وليس لي شيء، وأنا طيب (١) القلب، فمن أغنى مني، وليس لي ولد يموت، ولا بيت يخرب، ولا أدَّخر شيئًا لِغَد؟

وقال مجاهد: كان يَلْقُطُ مع أمه السُّنْبُلَ، فإذا عُرفا في مكانٍ تحولا إلى غيره، وأين ما أدركه المساء بات، ولم يمسَّ امرأة ولا طيبًا، ولم يلبس قطنًا ولا كَتَّانًا، ولم يجعل بينه وبين الأرض حائلًا، ويمشي وعليه بُرْنس، وبيده عصا، ويَقنَعُ باليسير، ويقول: هذا لمن يموت كثيرٌ.

وقال جدي في "التبصرة": أوحى الله إليه وهو ابن ثلاثين (٢) سنة، وأنزل عليه الإنجيل، وكان يجتمع على بابه خمسون ألفًا، فيداويهم بالدعاء. وذكر بمعنى ما ذكرنا (٣). قال: وكان يقول لأصحابه: أهينوا الدنيا تَكْرُمُ الآخرةُ عليكم، إنكم لا تُدْرِكُون ما تأمَلُون إلا بالصبر على ما تكرهون، ولا تبلغون ما تريدون إلا بتركِ ما تشتهون (٤).

وروى جدي في "التبصرة" عن محمد بن سباع النميري، قال: بينما عيسى بن مريم يسيح في بلاد الشام اشتد به المطر والرعد والبرق، فجعل يطلب شيئًا يلجأُ له، فرُفِعَتْ له خيمةٌ من بعيد فيها امرأَةٌ، فحاد عنها، فإذا هو بكهف في جبل فأتاه، وإذا في الكهف أسد، فرفع يديه وقال: إلهي، جعلت لكل شيء مأوى، ولم تجعل لي مأوى. فأجابه الجليل: مأواك عندي في مستقر رحمتي، لأُزوِّجنَّكَ يوم القيامة مائة حوراء، ولأُطعمنَّ في عرسك أربعة آلاف عام مثل عمر الدنيا، ولآمرنَّ منادٍ ينادي: أين الزاهدون في الدنيا؟ احضروا عرس الزاهد عيسى بن مريم (٥).


(١) في (خ): طبيب.
(٢) في "التبصرة": ثلاث سنين.
(٣) "التبصرة" ١/ ٣٥٥.
(٤) "التبصرة" ١/ ٣٥٥.
(٥) "التبصرة" ١/ ٣٥٦.