للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عظيم، ومعه عسكر كبير، ومتى لم ندخل معهم أخربوا بلادنا، ونهبوا أموالنا، ولم يكن لنا قدرة على دفعهم، والرأيُ ملاطفتُه وخدمتُه، فإننا نتعجَّل السلامة، وندفع الأذى. فلم يقبَلْ أكثرُهم، وشاع ورودُ مال من مصر إلى البساسيري، وأنه على تفريقه في العرب، وانحدر إلى بغداد، فمالوا إلى البساسيري، وعدلوا عن قريش، وكان صاحب مصر مائلًا إلى قريش وهو له كاره، وكان الوزير اليازوري يكاتبه ويستعطفه، وكان عنوان كتابه إليه: من الناصرِ للدين، غياثِ المسلمين، الأجلّ، الأوحدِ، المكينِ، سيدِ الوزراء، وتاجِ الأصفياء، وقاضي القُضاة، وداعي الدُّعاة، علمِ المجد، خليلِ أمير المُؤْمنين وخالصِه، أبي محمَّد الحسين بن عليّ بن عبد الرَّحيم، إلى الأمير مصطفى الدولة وخِصِّيصِها أبي المعالي قريش بن بدرانَ -أدام الله سلامته وسعادته ونعمته- أما بعد، فإنك بِبَيتٍ أَهلُهُ على الولاء لأهل البيت نَبَتتْ لُحومُهُم، وإلى محبتهم انتمت أرواحُهم وجسومُهم، وإن الدولة النبوية -أدامها الله- على غاية من حُسن الرأي فيك، وقد تعجب (١) لمفارقتك صاحب الجيش -يعني البساسيري- ومصيرك إلى محلٍّ لو كان آمنًا الأمنين وملجأ الأبدين لكان الواجبُ يكون بينه وبينك بُعدُ المشرِقَين والمغرِبَين، وذكر كلامًا طويلًا.

وفي ربيع الأول وردت هدية أبي نصر بن مروان إلى السلطان، وكانت ثيابًا ألوانًا، وخيلًا، وثلاث زواريق طعم، وشيئًا كثيرًا.

وفي سلخ ربيع الأول تقدم الخليفة إلى السلطان بالمسير إلى الشَّام، ويبدأ بالرحبة، ويأخذ البساسيري ويعبر الفرات، ويقيم الدعوة على منابر الإِسلام، فأمر السلطانُ العساكرَ بأن يتجهَّزوا ويبعثوا ليحضروا خَرْكاواتهم، وأولادهم وأهلهم يكونوا بالعراق، ويتوجَّهوا معه إلى الشَّام، فقالوا: هذه بلاد خَرابٍ، وليس بها أقوات ولا عُلوفات، ولم يَبْقَ معنا نفقات، ونحن عاجزون عن المُقام على ظهور خيولنا، فكيف إذا جاء أهلونا وخيولُنا ودوابُّنا وقد طالت غيبتُنا، ولا بُد لنا من الإلمام بأهلنا، ونحن نستأذن في العَودِ إليهم، ونعود حيث يُرسَمُ لنا، فقبض السلطان على جماعة منهم، وضربهم وقيَّدهم واعتقلهم أيامًا، ثم شفع فيهم فأُطلقوا، وضمن عليهم أنَّهم بعد


(١) في (خ) الكلمة غير واضحة، وأثبتت من (ف).