للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولبس الفَرَجية، ووضع العمامة على المخدَّة، وأحضر الفرس، وأوى إلى تقبيل الأرض] وقال: قد تتابع الإنعام عليَّ من غير استحقاق، فقال له رئيس الرؤساء: موضِعُك من أمير المُؤْمنين الكبير، ومَحلُّك الخطير، وأنت النائب عنه في رعيته، وقد حصل -بحمد الله- من الثقة ما لم يبقَ معه احتشام، وسيتواصل إنعام أمير المُؤْمنين على ما يوجبه حُسنُ رأيه، وجميلُ اعتقاده، فقال: قد زاد شوقي إلى مشاهدة تلك الطلعة الكريمة، وكثُر ارتياحي إلى رؤية تلك الغرة الشريفة. فقال: لن يتأخر ذلك. ثم التفت السلطان إلى ابن وَرَّام وبدران وقال: كيف نور الدولة؟ فقاما وخدما، وذكر قريشًا فقال: ذاك الغدَّار الكذَّاب الخوَّان. فشكر رئيس الرؤساء دبيسًا وقال: ما فعل الذي فعل مع البساسيري الملعون إلَّا رعايةً لنزوله عليه، وانضوائه إليه، وإلا فنور الدولة الموثوق بعهده المرغوب في مثله.

وفي يوم السبت الخامس والعشرين من ذي القعدة وصل السلطان إلى الخليفة، وكانت الرسائل منه قد تكرَّرت بطلب الاجتماع، وكان جلوس الخليفة جلوسًا عامًّا مشهودًا، جلس رئيس الرؤساء في صحن السلام، واستدعى النقباءَ والقضاةَ والشهودَ والأعيانَ وبدرانَ وابنَ وَرَّام وعميدَ العراق وحواشي السلطان، وبعث إلى السلطان ابنَي المأمون الهاشميين وخادمين وحاجبين، واستدعاه إلى دار الخلافة، فنزل في طيار الخليفة، وكان قد زيَّن وأرسل إليه، وانحدر خواصُّه في الزبازب وعلى الظهر فِيلان يسيران بإزاء الطيار والعساكر، والناس من جانبي بغداد، ثم قُدِّم له مركبٌ من مراكب الخليفة، فنفر من الفيلين، فقُدِّم له من خيله فرسٌ أشهبُ، فركبه وعليه قَباءُ ديباج أسود، وعمامة مثلَّثة مذهبة، ودخل الدار وبين يديه أولاد الملوك أبو علي وأبو طالب كامروا ابنا أبي كاليجار بن بُوَيه، وقُتُلْمِش ابنُ عمه، وأشراف القُوَّاد والديلم، ونحوٌ من خمس مئة غلام من الترك، والكلُّ بغير سلاح، فلما بلغ باب دهليز صحن السلام وقف طويلًا على فرسه إلى أن فتح له الباب، فنزل ودخل ماشيًا، وتلقَّاه رئيس الرؤساء، وكان الخليفة في بيت في صدر البهو، وعلى بابه ستور ديباج، فرُفِعت، وإذا بالخليفة جالسٌ على سرير ارتفاعُه من الأرض سبعةُ أذرع في دَسْتِ ديباج منقوشًا وعليه العمامة والقميص المُصْمَتان، وعلى منكبه بردة رسول الله وبيده القضيب، فلمَّا رآه