للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنو إسرائيل به، وكان يطير ما دام النَّاس ينظرون إليه فإذا غاب عنهم سقط مَيتًا، ليتميَّز فعل الخالق من المخلوق.

وكان يُبرئ الأكْمَهَ وهو الذي ولِدَ أعمى والأبرص، وإنَّما خُصَّ بهذين، لأنَّه كان في زمنه الأطباء فأراهم الله عجزهم بهذه المعجزة، لأنه ليس في قدرة الطبيب أن يُبرئَ مِنْ هاتين العلَّتين، قالوا: ولم يولد في الإسلام أَكْمهُ إلا قتادة بن النعمان، وأمَّا بعده فكثير.

ومنها: إحياء الموتى، وقد ذكرنا أنَّه أحيا سَام بن نُوح، وأحيا العَازَر، قال ابن إسحاق: وكان صَديقًا له فأرسلت إليه أُخته: إنَّ صديقك العَازَرَ يموت، وكان بينهما مسيرة ثلاثة أيام، فجاء فوجده قد مات، فجاء فوقف على قبره ودعا فقام العَازَرُ حيًّا وعاش زمانًا وولد له.

وذكر أبو حامد الغزالي في كتابه المُسمَّى بـ"سرِّ العالمين" وقال: لمَّا اشْتَهَر عيسى بإحياء الموتى بَعَثَ إليه جَالينوس الحكيم -وكان في زمانه-: يا عيسى إنَّا لا نطلب منك إحياء الموتى وإنَّما ها هنا رجلٌ مسلول به حُمَّى الرَّبع اشفه في هذا الشهر -وكان كانون الأول- وأؤمن بك، فقال عيسى: ائتوني ببِطِّيخَة الحُمَّى فسقاه منها فقاء (١) الرجل شيئًا أسودَ مثل الحبرِ المحترق وقام سليمًا لا مرض به، ثم قال عيسى: أَيهددني جَالينوس، ثم دخل هيكل العبادات ودعا، فما انتصف الليل إلا وثار على جالينوس علَّة إسطوريا الكراثية فمات قبل الصباح (٢).

قلت (٣): والعجب من الغَزَاليّ أنْ يذكر مثل هذا، فإن جالينوس كان بعد عيسى بمئتي سنة باتفاق المؤرخين.

وقال المصنف بعد هذا في آخر هذه المجلدة عند ذِكر حكماء اليونان، فذَكر سقراط الحُبِّ (٤) وجماعة، وقال: منهم جالينوس وكان في زمان عيسى عليه


(١) في النسخ: (فقام) والصواب ما أثبتناه.
(٢) سر العالمين ١٦، وفي نسبة هذا الكتاب إلى الغزالي شك ومقال، انظر مؤلفات الغزالي لعبد الرحمن بدوي ٢٧١.
(٣) في (ب): قال المصنف .
(٤) انظر سيأتي في الصفحة ٤١١.