للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقدم إبراهيم ينَّال بغداد سلخ المُحرَّم، وقيل: في صفر.

وفي صفر قصد الوزيرُ رئيسُ الرؤساء دارَ المملكة، واجتمع بالسلطان، وخاطبه في معنى أخيه إبراهيم ينَّال، وقال عن الخليفة: قد راسلتُك أيها السلطان عند وقوع الإرجاف عليه بعصيانه عليك، بأن لا تقبلَ فيه قولَ قائل، ولا تعجَلَ عليه، فللناس أغراض يبلغونها بك، ويتشوَّفون بها عندك، وقد قال الله تعالى: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القصص: ٣٥] وما يبلغني عنه إلا الطاعة الخالصة، والمحبة الصادقة، والموالاة المؤكدة، بحيث إنني قد اشتهيت أن أراه، وقد شوَّقني ما أسمع عنه إلى مشاهدته. فقال السلطان: إذا أمرَ أميرُ المؤمنين سيَّرتُه إلى خدمته. ثم شرع يشكوه فقال: لمَّا سلَّمتُ إليه الحبل وعوَّلتُ عليه عصى عليَّ وجاهرني، فسِرْتُ إليه، فظفِرتُ به، وعملتُ معه الجميل، ولو كان ما ذُكِرَ عنه الآن من العصيان حقًّا لسرتُ إليه بنفسي، وأخذتُه برقبته، وما أخاف إلَّا من شغلي به، فتبْقَون أنتم ها هنا بحيث يتمكَّن العدوُّ من انتهاز الفرصة فيكم. فقال له رئيس الرؤساء: بعد قَصْدِه بابَك، ووَطْئِه بساطَك، وتشرُّفه بالحضرة الإمامية المقدسة ما يكون منه ما يتوزَّع الخاطرُ لأجله، أو يقع الاهتمام بأمره. ثم شكا إليه رئيسُ الرؤساء فسادَ الجند، فقال: الأمر إليك في هذا، افعَلْ ما تراه، وقد كنتُ الساعةَ قبل حضورك تقدَّمت إلى عميد الملك بأن يتقدَّم إلى الحواشي والحُجَّاب ويقول لهم: مَنْ أرجفَ بأنِّي عائدٌ إلى خراسان أدَّبتُه وعذَّبتُه، وقد كنتُ أجوبُ الأرض حتى أصِلَ إلى هذه الرتبة من خدمة الدار العزيزة، وقد بلغتُ منها نهاية الأمنية، ولم يبقَ بخراسان مَنْ أخاف منه على بلادي، كلُّهم لبسوا خِلَعي، ودخلوا تحت طاعتي، ولا بُدَّ لي من نطحةِ الشام بعد تقضِّي الصيف، وحضورِ المهرجان.

ثم خرج رئيس الرؤساء من عنده، واجتمع بإبراهيم ينَّال، وقال له: أمير المؤمنين قد أنِسَ بقربك، وسكن إلى سلامتك، وصرَّ بما يبلغه من طاعتك. فقام وقبَّلَ الأرض وقال: أنا خادمُ الدار العزيزة، وباذلٌ مهجتي في نصرتها، وحيث ورد كتابُكَ وأمرُكَ إليَّ بالحضور سارعتُ متشرفًا بهذا المحلِّ الشريف، ومتجمِّلًا بهذا الاستدعاء الكريم، وأنا واقفٌ على الأوامر والمراسيم. فشكره الوزير، ودعا له.