للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهمُّوا به، فأخذ البساسيري بيده، وسيَّره إلى جنبه؛ خوفًا عليه من العامة، ولم يزَلْ يوبِّخه ويُعنِّفه -وهو يعتذر إليه- ويستعطفه، وحلَّ الركابية حزامَ البِرْذَون الذي كان تحته ليسقط ويتمكن منه العامة، فسقط، فوقف البساسيري حتى أركبه، ومضى به إلى خيمته، وانتزع أحدُ الأتراك ما كان عليه، وألبسه قميصَ خَزٍّ وعمامةً لطيفةً بيضاءَ، وقيَّده بقيدٍ، ووكَلَ به، وحصل في يده جميعُ مَنْ كان يطلبه، مثل: ابن المردوسي، وأبي عبد الله بن الدامغاني قاضي القضاة، وهبة الله بن المأمون، وأبي علي بن السيرواني، وأبي عبد الله بن عبد الملك، وكان من التجار الكبار، وبينه وبين البساسيري عداوةٌ، وكان قد سكن دار الخليفة خوفًا منه على ماله ونعمته، وظفر بالسيدة خاتون بنت الأمير داود زوجة الخليفة، فأحسن معاملتها، ولم يتعرَّض لها، وسلَّمها إلى أبي عبد الله بن جردة البيع، وأما قريش فحصل في يده الخليفة، وعميد العراق، وأبو منصور بن يوسف وولده، فحُمِلَ الخليفةُ إلى معسكره راكبًا، عليه الثياب السُّود، وعلى كتفه البُردةُ، وبيده سيفٌ مسلول، وعلى رأسه اللواء، فمال، فأنزله قريش خيمةً لطيفةً، ومعه من خواصِّ خدمه ريحانُ وموفق وعفيف، ووكل بالخيمة قومًا من أصحابه، ولحق الخليفةَ ذَرَبٌ عظيم، فامتنع من الطعام والشراب، فسأله قريش وألحَّ عليه حتى أكل وشرب، ثم إن قريشًا أذمَّ لأبي عبد الله بن جردة، وكان تاجرًا، لم يُدخِلْ نفسَه في غير التجارة، وأخذ أبا منصور بن يوسف وابنيه إلى حُلَّته وأكرمَه، وأصلح حاله مع البساسيري، وكان ابن جردة قد ضمن لقريش عشرةَ آلاف دينار إن حمى له داره وما فيها من أموال التجارة، فحماها، وعبر العوامُّ من الكَرْخ وغيرِه يوم الثلاثاء، فأحرقوا رباط أبي سعيد الصوفي بباب المدرسة النظامية، ثم صعدوا إلى دار الخليفة وفتحوا أبوابها ونهبوها، وأُخذ منها من الأموال والجواهر والثياب والأواني والياقوت والمصاغ وجميع الأشياء ما لا تُحصر قيمتُه، واستغنى أهلُ الكَرْخ والعرب والغلمان، فلما كان يوم الأربعاء رفع البساسيريُّ النَّهبَ عن دار الخليفة، واستُخرجَتِ الأموالُ منها، واقتسمها البساسيريّ وقريشٌ على ما اتَّفقا عليه، وقُتِلَ ابنُ المُذْهِب القاص بباب النُّوبي، وأفلت الزُّهيري وابنُ اليدن الحيَّان، وكان هؤلاء الثلاثة القائمين القاعدين المتهدِّدين والمتوعِّدين، وكان في قلوب الناس منهم ما فيها، وعبر