للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجَواري حاسراتٌ [ناشراتٌ] (١) الشعورَ، معهنَّ المصاحف على رؤوس القصب، وبين يديه الخدم بالسيوف المسلَّلة، فوجدوا جماعةً من النَّهابة قد وصلوا باب الفردوس (٢)، فقتلوهم ورجع إلى باب العامة يريد عميد العراق، فوجده قد استأمن إلى قريش بن بدران، ورمى أكثرُ أصحابه سلاحهم، واستأمنوا معه، فعاد إلى الحلية الصغيرة، وعرف أن البساسيري وقريشًا في الحلية الكبيرة، فصعد إلى منظرة له، واطَّلع رئيس الرؤساء وصاح بقريش: يا علم الدين، أمير المؤمنين يستدنيك. فدنا إلى تحت المنظرة، فقال: قد آتاك الله رتبة لم ينَلْها أمثالُك، وأحلَّكَ منزلةً لم يُحِلَّها أشكالَك، فإن أمير المؤمنين يستذمُّ منك على نفسه وأهله وماله وأصحابه بذمام الله تعالى وذمام رسوله وذمام العرب. فقال قريش: قد أذمَّ الله له. قال: ولي ولمن معه؟ قال: نعم. وخلع قَلنسوةً من تحت عِمامته، وأعطاها ذمامًا للخليفة، وأعطى مِخْصَرته لرئيس الرؤساء ذمامًا، ففتح الباب، ونزل الخليفة ورئيس الرؤساء إلى قريش، وحصلا معه، فقبَّل قريش الأرضَ دفعاتٍ، وكان ابنُ المسلمة قد تسرَّح من الحائط فنزل، وبلغ البساسيري، فأرسل إليه يقول: أتذمُّ لهما وقد استقرَّ بيني وبينك ما اسْتَحلفتُكَ عليه؟! وكانا عند انحدارهما قد تحالفا أن لا ينفرد أحدهما عن الآخر بشيء، ويكون العراق بينهما نصفين. فقال قريش: ما عدلتَ عن ما استقرَّ بيننا عدول ابن المسلمة -يعني رئيس الرؤساء- فخُذْه وأنا آخذ الخليفة. فرضي بذلك، وبعث رئيسُ الرؤساء إليه مع منصور بن مَزْيَد، فحين رآه البساسيري قال: مرحبًا بمدمِّرِ الدولة، ومُهلِكِ الأمم، ومُخرِّبِ البلاد، ومُبيدِ العباد. فقال له: أيها الأجلُّ، العفو عند المقدرة. فقال: قد قدرتَ فما عفوتَ، وأنتَ تاجرٌ صاحبُ طيلسان، ولم تُبْقِ على الحريم والأطفال والأموال، فكيف أعفو عنك وأنا صاحب سيف، وقد أخذتَ أموالي، وعاقبتَ حرمي، ونفيتَهم إلى البلاد والقلاع، واعتقلتَهم فيها، وقتلتَ أصحابي، ودرسْتَ دوري، وسبيتني وأبعدتني، وفعلتَ تلك الأفاعيل، ولكن هذا من تصوُّرك الفاسد، وعقلك الناقص. واجتمع العامة على ابن المسلمة، ولعنوه وسبُّوه


(١) هذه الزيادة من (ف).
(٢) في (خ): الفراديس، والمثبت من (ف).