رأيتُ البارحةَ عسكرًا يقصد تل عُكْبَرا، فسألتُ عنه، فقيل: هذا الخليفة مع مهارش قد جاء من الحديثة. قال: فاستبعدتُه، فلم أبرَحْ من مكاني حتى ورد رسولٌ من قلعة تلّ عُكْبَرا يقول: قد نزلوا تلَّ عُكْبَرا، فحققت الحال، وطِرْتُ فرحًا، وقمنا إلى القلعة، وضرب له بدرٌ خيمًا ونزل إليها، وسلَّمتُ إليه ما كان معي من المال والثياب، وجاء السلطان فدخل بغداد، وعبر إلى الجانب الغربي، ونزل بالنَّجمي، وكتبتُ إليه وعرَّفتُه صورةَ الحال، وطلبتُ للخليفة خيمًا وسرادقًا وفرشًا، ولمَّا وقف على كتابي طار فرحًا، وجاءه ما لم يكن في حسابه ولم يخطُرْ بباله، وأنفذ أنوشروان في ثلاث مئة غلام ومن استعقله من الحُجّاب، ومعهم البَخاتي، عليها السرادق الكثيرة، وعدة خيم وخركاوات وآلات، وفرشًا كثيرة، وبغالًا عليها الأواني والثياب، وغير ذلك، وبغلًا عليه مهدٌ مُسَجَّفٌ (١) بالديباج الأسود، وثلاثة أفراس بمراكب الذهب، وبعث بالجميع مع عميد الملك، وعرفتُ خبرهم، فركبتُ واستقبلتُهم، فسألني عميد الملك عمّا جرى من ذلك، فشرحتُه له، فقال: تقدَّمْ واضرِب السُّرادقَ والخِيمَ، وانقُل أمير المؤمنين إليها لتلقاه فيها، وإذا حضرنا فلتؤخِّرِ الإذن لنا ساعةً كبيرة، فسبقتُ وطالعتُ الخليفةَ بذلك، فأجاب إليه، وضُربَتِ السُّرادِقُ والخِيمُ، وانتقل إليها، وجاء عميد الملك والأمير أنوشروان، فنزلوا عليَّ في خيمة لهم ساعةً، ثمَّ أذن لهم فدخلوا، وقبَّلوا الأرض، وذكر عميد الملك رسالةً عن السلطان وسرورِه بخلاصِ الخليفة، وشكر مهارشًا على فعله، وقال: نُسَمِّ اللهَ ونسير. فقال: قد تعِبْنا ونستريح يومين. ثم ترجَّل، فكتب عميد الملك إلى السلطان كتابًا يخبره بصورة الحال، وأحبَّ أن يأخذ خطَّ الخليفة عليه تصديقًا لما تضمَّنه، ولم يكن عند الخليفة دَواةٌ، فأحضر عميد الملك من خيمته دواةً على مرقع فيها ألف وسبع مئة مثقال من الذهب، فتركها بين يديه، وأضاف إليها سيفًا مُحلًّى، وقال: هذه خدمة منصور بن محمد -يعني نفسه- خدم بها، وقد جمع بين السيف والقلم، فشكره الخليفة، وكتب من الدَّواة، وسِرْنا بعد يومين إلى النَّهروان، فوصلنا إليه يوم الأحد رابع عشرين ذي الحجة، وجاء السلطان للقاء الخليفة، فلمّا وقعت عينُه على السُّرادق ترجَّل ومشى إلى أن وصل، فلمّا دخل قبَّل