للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثار الهاشميون وأهل باب البصرة إلى الكَرْخ فنهبوه، وطرحوا النار في أسواقه ودُوره ودُروبه، فاحترق منه ألفٌ ومئتا دار، وكلّ دار تساوي ثلاث آلاف دينار، وفيها دور تساوي كلّ دار ثلاثين ألف دينار.

ذكر أحوال الخليفة:

كان قد استخلف مهارش العقيلي وتوثَّق منه في حراسة نفسه، وأن لا يُسلِمَه إلى عدوِّه، وكان مهارش قد تغيَّر على البساسيري لبذول بُذِلَتْ له، ولم يقع الوفاءُ بشيء منها، وبعث قريش أبا الحسن بن المُفرِّج إلى مهارش يقول: قد كنّا أودعنا الخليفة عندك ثقة بأمانتك، وسكونًا إلى ديانتك، ولنكُفَّ به عاديةَ الغزو عن بلادنا ونفوسنا وعشائرنا، وقد عادوا الآن وأطلّوا علينا، وربما قصدوك وحاصروك وأخذوه منك، فخُذْه وارحَلْ به وبأهلك وولدك إليَّ، فإنهم إذا علموا حصولَه في أيدينا لم يقدَموا علينا خوفًا على نفسه، فإذا طلبوه منا اشترطنا عليهم أن لا يتعرَّضوا لبلادنا ولا لعشائرنا، ونقترح عليهم ما شئنا من المال والبلاد، وما أرومُ تسليمه إليَّ، بل يكون على حاله في يدك، بحيث لا يُؤخَذُ قهرًا من أيدينا. فقال مهارش لرسوله: قُلْ له: البساسيريُّ غدر بي، ولم يَفِ بما ضمن، ما بقي لكم في رقبتي أيمان، وقد قلتُ: أرسِلْ خُذْ صاحبَكم الذي عندي، فلم يفعل، وعرف الخليفةُ خلاصَ رقبتي من اليمين، فاستحلفني لنفسه، فعاد ابن المُفرِّج بغير شيء. وقال مهارش للخليفة: الرأيُ أن نخرج ونقصد بلد ابن مهلهل، ونكون في موضع نأمن به على نفوسنا، فلا نأمن أن يأتي البساسيري فيحاصرنا ولا نقدر أن ندفعه عنا. فقال: افعَلْ ما تراه. فخرجا من الحديثة يوم الاثنين حادي عشر ذي القعدة، وسارا حتى قطعا دجلة، وحصلا بقلعة تل عُكْبَرا.

قال ابن فورك: عُدْتُ من عند قريش إلى حُلَّةٍ لبدر بن مهلهل وأنا على وجَلٍ من أمر الخليفة لِما سمعتُه من قريش في معناه، وحذرًا أن يقصد الحديثةَ فيأخذه معه، ويصير بحكمه، فبينا أنا مفكر في ذلك وعودي إلى السلطان بميله، إذ جاءتني رسالة بدر بن مهلهل، فحضروا عنده، وإذا بسواديٍّ قد حضر (١) إليه، فقال: أعِدْ ما حكيتَه. فقال:


(١) جاء فوقها في (خ): ورد، وأشير على أنها نسخة.