للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زَيرَك ما يؤدِّيانه من الرسالات، ويُبلِّغانه من التحملات، وهو يصغي إليهما، ويعتمد عليهما، ويُسرِّحهما إلى القلعة ليخدما مجلس سيدنا ومولانا الإمام عنا، ويأتيا ببشارة عالي شخصه المحفوف بالبركات، والبلاد كلُّها والقلاع للأمير مبذولة، في جنب مساعيه والثقة به، وكان مع رسولَي الخليفة أربعون ثوبًا أنواعًا، وعشرُ دُسوت ثيابًا مخيطةً، وخمسة آلاف دينار، وخمس دسوت مخيطةً من خاتون زوجة الخليفة، وحكى الرسولُ كثرةَ العساكر مع السلطان، فخاف قريش وانزعج، وبعث إلى الجِفار (١) من أصلح المياه، وعزم على دخول البرية، وبعث بالكتاب إلى البساسيري والرسالة، وحذَّر من الرسول ليعود الجواب بسرعة، وكان قريش يكاتب السلطان سرًّا، ويطيعه في البلاد حسدًا للبساسيري وتغيرًا عليه، فإذا صحَّ من السلطان عزمٌ أجفَلَ (٢) من قرية ولم يجتمع به، وبعث البساسيريُّ إلى بغداد، فأخذ دوابَّه وماله وسلاحَه إلى واسط، وتقدَّم بأن يسلخ جلد ثور ويكسى به رِمَّة ابن مُسلمة، ويجعل قرنيه على رأسه، وفوقهما طرطور أحمر، وكان السلطان قد اقترح فيهما أن يحطَّ رِمَّة ابن مُسلمة، وورد رسول قريش من عند البساسيري، وقال: قد أجاب بحيث لا يذكر السلطان ببغداد في الخطبة، وقَويتِ الأراجيفُ بقرب السلطان من بغداد، وأُقيمت له الإقامات بِحُلوان، وكتب أبو البركات بن البساسيري إلى أبيه يسأله ما يصنع، فكتب إليه يأمره بالمقام والثبات، ووصلت مقدمات السلطان إلى قصر شيرين، وانحدر حرم البساسيري وأولاده وأصحابه وجميع من يتعلق به إلى واسط، وذلك يوم الثلاثاء خامس ذي القعدة، وتبعهم أهل الكَرْخ، ووصلوا إلى صرصر، وهلك منهم في (٣) عبورهم خلقٌ كثير، ولحقهم العيّارون ونهبوهم، ومَنْ بقي منهم نهبهم بنو شيبان، وقتلوا أكثرهم، وسَبَوا نساءهم وغرقوهم.

واتَّفق دخولُ البساسيري بغداد يوم الأربعاء سادس ذي القعدة، وخروجُ أصحابه منها سادس ذي القعدة، فكان يملكها سنةً كاملة.


(١) الجِفار؛ جمع جَفْرة: وهي البر الواسعة التي لم تُطو. اللسان (جفر).
(٢) أجفل: مضى وأسرع. اللسان (جفل).
(٣) في (ف): على.