بصنع الله له، وسابغ إحسانه إليه، فأمَّا ما بلغه الرسل من حُسنِ اعتقاده في خدمتنا، وسلامةِ صدره في طاعتنا فقد علمناه، ولمّا ورَدْنا العراقَ كان في عزمنا تسليمُ الأمر إلى علم الدين في تلك الولايات، استقلَّ بالخدمة الشريفة، والمواقف المقدسة، وحدثَتْ حوادثُ، وعرضت عوارض، ولم يحدُثْ منها -بحمدِ الله- في حقِّه ما يقدح في الاعتقاد السليم، وإزالةِ الحقِّ عن السنن المستقيم، وقد ظهرت نيّته الجميلة، وهِمَّتُه العالية الجليلة في خدمة سيدنا ومولانا الإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين، أطال اللهُ بقاءه، وأعزَّ أنصاره وأولياءه، حتى لم يظفرِ الأعداءُ منه بما حاولوه، ولم يدركوا فيه ما أمَّلوه، وهذه مِنَّةٌ عظيمة على الإِسلام وأهله، وأثرٌ جميلٌ في الدين، لم يوفَّق أحدٌ لمثله، ثم الذي وُفِّقَ له من المحافظة على سَنن العرب -من رعاية حُسن العهد- ما عظُمَتْ علينا وعلى المسلمين مِنّته، وزادَتْ عندنا مكرُمَتُه، فلو أعطيناه جميعَ ما حويناه ولا استقللناه، واحتقرناه واستصغرناه، وقد أقبلنا بخيول المشرق إلى خدمة سيدنا ومولانا الإمام، ولا فُسحةَ لنا في التأخير عنه ساعةً من الزمان، بعد أن أهلَكنا أعداءَنا، وذلَّلنا حُسّادنا، والمقصودُ أحدُ أمرين؛ إمّا أن يُقبِلَ الأميرُ سيدنا ومولانا إلى مقرِّ خلافته وسرير عظمته، وينتدب الأمير بين يديه متوليًا حكمه، ممتثلًا رسمه، فذلك هو المراد، وهو خليفتُنا في تلك الخدمة المفروضة، وتولية العراق بأسرها، وتصفية مشاريع بَرِّها وبحرِها، وإمّا أن يحفظ علينا شخصَ مولانا العالي بتحويله من القلعة إلى حين لحاقنا بخدمته، ويكون الأميرُ مُخيَّرًا بين أن يكتفي بنا، وبين أن يُقيم حيث شاء، فنولِّيه العراق، ونستخدمه في الباب الشريف، ونصرف أعيننا إلى الممالك الشرقية، وعشائره كلُّهم إخوانُنا، وهم في أماننا، فلا يدخُلُ قلوبَهم رهبةٌ منا، وكذا جميع العساكر المنسوبين إلى خدمته، ولكلِّ مُذنبٍ عندنا في العراق عفوُنا وأمانُنا، إلا الفاجرَ الكافرَ البساسيريَّ عدوَّ اللهِ ورسولِه، فإنه لا عهدَ له ولا أمانَ عندنا، فلقد ارتكب في دين الله عظيمًا، وخطبًا جسيمًا، وهو إن شاء الله مأخوذٌ حيث وُجِد، ودلَّتْ أفعالُه على سوء عقيدته، وخُبْثِ طويَّته، فإن سرِبَ في الأرض لحِقَه المكتوبُ على جبهته، وإن وقف فالقضاءُ سابقٌ إلى مُهجَتِه، وقد حَمَّلنا الأستاذَ العالم أبا بكر أحمد بن محمَّد بن أيوب -أدامَ الله عِزَّه- والشيخَ معتمِدَنا أبا الوفاء