ولمّا كان لخمسٍ بَقِينَ من ذي الحجة ركب القائم وعساكر السلطان بين يديه والجنائب والملوك الأسفهسلارية، والمهد بين يديه، والأعلام على رأسه، وعليه السَّواد وأُبَّهة الخلافة، وبيده سيف مسلول، والعجم مُحدِقون به، ولم يبقَ مَنْ يستقبله من أهل بغداد سوى القاضي وثلاثةُ أنفُسٍ من الشهود؛ لهرب الناس من مصادرات البساسيري والضرب والعقوبات.
وسبقَ السلطانَ وجلس على دَكَّة الباب النُّوبي مكان الحاجب، وكان قد سأل الخليفةَ أن يمشي بين يديه من النهروان فامتنع، فلمّا ورد الخليفةُ باب النُّوبي قام السلطان وقبَّل الأرض، وأخذ بلجام دابَّته، ودخل يمشي إلى باب حجرة الخاص، فدخل الخليفة بالبغلة إلى أماكن قد فُرِشَتْ بفُرشٍ عظيمة من عند السلطان، واعتذر من قِلَّتها، ثمَّ قبَّل الأرض واستأذنه في المسير وراء البساسيري، فأذِنَ له، فعَبرَ من وقته إلى النَّجمي، وتجهَّز للمسير خلفَه، وقال أبو علي الحسن بن جعفر الضرير البندنيجي -ويعرف بابن الهَمَذاني- من أبيات:[من الوافر]
ولمّا أن طغَتْ عُصَبٌ وطاشَتْ … حُلومٌ أورثَتْ لهمُ ضِراما
وقادهمُ القضاءُ إلى عُتُل … زنيمٍ قاد للفتن السُّواما
أتاحَ اللهُ ركنَ الدين لطفًا … وتأييدًا فأخزى مَنْ ألاما
وأردى العبدَ لا جادَتْ يداهُ … سوى النِّيرانِ تضطرمُ اضطراما
وأتعس جَدَّهُ فأدال منهُ … وأقعصَهُ وقد جَدَّ انهزاما
أقام ثقافه الإِسلام لمّا … تأوَّدَ إذ بأمرِ الله قاما