للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العجم ممن استأمن إلى أبيه، فأعطاهم ثلاثة آلاف درهم وسلاحًا، فأظهروا طاعتَه، وأبطنوا مخالفتَه، والتجؤوا إلى محلة في الرحبة يُقال لها: القصر، وعليها سور، واجتمع القاضي وابن محكان وأبو الكرم كاتب الديوان على الخطبة للسلطان طُغْرُلْبَك والقائم، ولم يتحقَّقوا حقيقة الحال، إلا أن مهارشًا البدري قصد الرحبة في سرية، وخرج ابن البساسيري في خامس عشرين ذي الحجة مبرزًا، فأغلقوا وراءه الأبواب، ورماه العجم الذين أعطاهم الأموال والسلاح والنُّشّاب، وسبُّوه وشتموه، وخرج معه خلقٌ كثير من أهل البلد كانوا مع أبيه، وسار طالبًا بالِس، ولم يقنع بنو شيبان بما قرَّره لهم، فتخطَّفوا (١) الناسَ ونهبوهم، ولو لم يكن في جماعة كثيرة لنهبوه، ووصل إلى بالِس واجتمع بعطية ولم يتعرَّض له، كلّ هذا وما عند أحدٍ خبرُ ما جرى للبساسيري، إلا أنهم على انتظاره، وابنُه يُمنِّيهم رجوعَه، ثم سار يطوي المنازل إلى حلب، فأقام على بابها.

وفي هذا الشهر عزل القائمُ أبا الحسن محمد بن أحمد بن المهتدي عن خطابة جامع المنصور؛ لأجل خطبته لصاحب مصر، وولَّى مكانه أبا علي الحسن بن عبد الودود بن المهتدي، وخلع عليه خِلْعةً سوداء، وبرز له توقيع، فيه خرجت الأوامرُ الشريفة، والمراسيمُ العالية المتقنة (٢) أنفذها الله شرقًا وغربًا، وبُعدًا وقُربًا، بترتيب الشريف الجليل بهاء الشرف -أدام الله تأييده- في الخدمة وإقامة الدعوة الشريفة على المنبر بالمسجد جامع المنصور -صلواتُ الله على الآمر ببنائه- وأن يعتمد على المداومة في الخدمة وإيصالها، فليُتمثَّلِ المأمور، وليُعتمَدِ المرسوم إن شاء الله تعالى.

ذكر ما اعتمده الخليفة بعد رجوعه:

لمّا عاد إلى بغداد من الحديثة لم ينَمْ على وطاء، ولم يدَعْ أحدًا يحمل إليه فطوره؛ لأنه نذر أن يتولى ذلك بنفسه، وعقد مع الله العفوَ عمَّن أساء إليه، والصفحَ عن جميع من تعدَّى عليه، فوفى بذلك، وأشرف في بعض الأيام على البنّائين في داره، فأمر الخادم بإخراج واحد منهم، ثمَّ رآه في الدار، فقال للخادم: أعطِه دينارًا وأخرِجْه،


(١) أي: قتلوهم وسلبوهم. وتحرفت لفظة فتحظفوا في الأصل (خ) إلى: فتحفطوا.
(٢) في (ف): المتثقة!