النساء المحظور، ونجا من نجا على فرسه دون ماله وحرمه، وبقيت الثياب والأموال مطروحةً في البرية لكثرتها، وعجز الغلمان عن حملها، وهلك مِن الناس العددُ الكثيرُ، والجمُّ الغفير.
وكان الفتكُ من العرب، فإنهم أفسدوا، والتُّرك لم يفسدوا، وإنما أخذوا الأموال، وأحضر السلطانُ جماعةً، فعرفوا رأس البساسيري، فوجدوا في جيبه خمسة دنانير، فدفعها السلطان إلى من قوَّر رأسَه، وأخرج مخَّه، ثمَّ بعث به إلى بغداد، فوصل يوم السبت منتصف ذي الحجة، فتُرِك على قفاه، وطِيفَ به، وضُربت بين يديه الدبادب والبوقات، وعُلِّقَ مدةً، ثمَّ حُمِلَ إلى خزانة الرؤوس، فيقال: إنه باقٍ إلى هلُمَّ جرًّا.
وهرب ابن مَزْيَد إلى البَطيحة، ومعه أبو البركات بن البساسيري وأخواه الصغيران -وقيل: زهرة والدتهما وأخته- ووصل السلطان إلى واسط، فرأى أصحابه قد نهبوها، فعزَّ عليه، ولام أريسغى، وكان قد تقدَّم إليها، وعبر السلطان إلى الجانب الشرقي قريب من البطائح، وجاءه هزارسب، وتوسَّط خالُ ابن مَزْيَد معه، وحضر باب السلطان، وداس بساطه، ثمَّ أصعد في خدمته إلى بغداد، وكذا صدقة بن منصور، وردَّ السلطانُ على ابن مَزْيَد وأولاده وإخوته الأسرى، وقَبْلَ إصعادِ السلطان أنفذَ من واسط والدةَ الخليفة ووالدةَ الأمير أبي القاسم علاء الدين بن ذخيرة الدين وصلف -وقيل: اسمها وصال القهرمانة- وتبعهم خلقٌ كثيرٌ من أهل بغداد، وكانوا في أسر البساسيري ومعه في الوقعة فأُخِذوا.
ذكر ما جرى لابن البساسيري الصغير:
كان نائبًا عن أبيه في الرحبة، فوصله الخبر في يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي الحجة، فارتاع وخاف المقام، وبلغه أن مهارشًا قد خرج من بغداد في ثلاث مئة غلام من الأتراك يريد الرحبة، فأراد أن يقصد بالِس، وكانت لعطية بن الزَّوقلية الكلابي، وكان بينه وبين أبيه مودةٌ وصداقة، وأغارت بنو شيبان على سواد الرحبة وأحرقوا، فخاف الصبيُّ أن يخرج لقبيح فعل بني شيبان وغَدْرِهم، فاستدعى وجوههم وقال: تسيرون معي إلى بالِس، وجعل لهم على ذلك خمس مئة دينار، واستحلفهم وتوثَّق منهم، وأودع الذهب عند مَنْ رضوا به، فإذا قاربوا بالِس رجعوا، واستدعى جماعةً من