للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع المُكْدين (١)، وينتقلون من مكان إلى مكان وما يشبعون بالخبز وهم عُراة، ولمّا علموا بما فعلتَ مع أهل الوزير واختلاطي بك سكنوا إليكَ وإليَّ، وأطلعوني على أمرهم، وسألوا في خطابك في معناهم وتدبير أمرهم، وقد ذكروا أنَّ أبا منصور بن يوسف أرشدهم إليك، فما رأيُكَ؟ وكان البساسيري قد أذكى (٢) عليهم العيون، فشدَّد في طلبهم، وقد عميت عليه أخبارُهم، واستعجبت آثارُهم، فقلت له: واعِدْهم المسجدَ الفلانيَّ حتى أُنفذ زوجتي إليهم. ففعل، وحصلوا في داري، فحملتُ إليهم ثيابًا سنيَّةً وكسوةً، وقلتُ: سَلْهم كم كانت مشاهرتُهم على الخليفة؟ فقالوا: كذا وكذا. فأضعفتُ ذلك، وأقاموا عندي ثمانية أشهو على أحسن حال، فلمّا تواترتِ الأخبار بمجيء السلطان وعسكره (٣) خافوا وراسلوني، وقالوا: لا نُقيمُ في هذا البلد مع دخول العسكر، فإنَّ خوفَنا منهم مثلُ خوفِنا من البساسيري، من أجلِ هذا الصبي، فإنَّ أرسلان خاتون ضرة جدته، وهي كارهة لسلامته، ونريد أن تخرجنا مع ثقة لك بحيث نأمنُ على نفوسنا، وننصرفُ على حسب اختيارنا، فانتدبتُ لهم صاحبًا لي ولم أُعلِمْه بهم، بل قلتُ: هؤلاء أهلي، وأُريد أن أُخرجهم خوفًا من البساسيري، واشتريتُ لهم الجمال، وجهَّزتُهم إلى قرية من قرى سِنْجار تُعرف بالحِيال، وجاء الغُزُّ فدخلوا بغداد، فخرجتُ نحوهم، وحملتُهم إلى حَرّان، فلمّا دخل الخليفةُ بغداد حملتُهم إليه (٤).

قال المصنف : وقفتُ على تاريخ ميّافارقين، وفيه أن أبا نصر بن مروان الكردي -صاحب ديار بكر- أنزلهم في قصر بآمد، وأجرى عليهم الجرايات، فقال له القاضي أبو علي بن البغل: أُحِبُّ أن تكون ضيافتُهم عليَّ. فقال مروان: كيف يُسمَعُ عني أنَّ ابنَ الخليفة أقام عندي ولم يكن في ضيافتي. فقال: يسمع الناسُ أنَّ بعضَ خدمك أقام بابن الخليفة فلم يُجِبْه.


(١) المُكْدي من الرجال: السائل المُلحُّ في المسألة وحرفته الكُدْيَة. تاج العروس (كذا).
(٢) أذكى: أرسل. المعجم الوسيط (ذكي).
(٣) في (ف): بمجيء عسكر السلطان.
(٤) تنظر هذه الأخبار بنحوها في المنتظم ١٦/ ٦٠ - ٦١.