وسلَّم إليهم القلعة بما فيها، وسار إلى فامية، واعتقلوا الكناني والقاضي في القلعة، وعاد عطية وابن البساسيري إلى الرحبة، وبلغ صاحبَ مصر، فأعاد أبا علوان وثِمال بن صالح بن الزَّوقلية إلى إمارة حلب، وأنفذه إليها بعد ما عزله [عنها](١)، فدخلها وفكَّ ابنَ حمدان وأخاه من الأسر، وأفرج عن جلال الدولة والقاضي، وأطاعته العشيرة واحتشمَته، وكان محمود لمّا صعد القلعة أنشده ابن أبي حصين:[من الطويل]
وأتعبتَ نفسًا يا ابن نصرٍ نفيسةً … إلى أن أتاك النصرُ من كلّ جانبِ
وأنتَ امرؤٌ تبني العلا غيرَ عاجزٍ … وتسعى إلى طَرقِ الرَّدى غير هائبِ
تطوَّلَ محمود بنُ نصرٍ وفِعْلَهُ … كلابٌ كما طالتْ تميمٌ بحاجبِ
وفي شعبان انحرف السلطان عن حصار توريز، وكان مقيمًا عليها من حين خرج من بغداد، وخربت تلك الأماكن من النهب، ومات أهلُها جوعًا، وتقدم فنزل بسامراء، وأمر العساكر بالمقام بها إلى حين يعبر الشتاء والثلج ويُعادوا إلى حصار توريز، فتعذَّرتْ على العساكر الأقواتُ والعلوفاتُ، فاجتمع الأعيانُ، ونزلوا على فرسخ من العسكر، وراسلوه بأنك قد فعلتَ ما فيه هلاكُنا وبلوغُ غرض العدو منا، فإن هذا المكان لا يحملنا، ولا نجد ما نأكل نحن وخيلُنا، ومتى أقمنا سقط الثلج علينا ومِتْنا، والرأيُ أن ننصرف إلى الريّ ونشتوا بها، وإذا جاء النَّوروز سِرْنا حيث نشاء، فلمّا سمع ذلك صَعُبَ عليه وتهدَّدهم، فنفروا وقالوا: ما نخرجُ عليك ولا نُغضِبُك، ولكن نمضي إلى بغداد ونستولي على أموالها، ونتفرَّق في أعمالها، ونستريحُ من هذه الأسفار المتَّصلة والتعب العظيم، ونَدَعُكَ ورأيَكَ، ومتى منعْتَنا حاربناك، وكان الخليفةُ معنا. فلمّا سمع ذلك صَعُبَ عليه وتهدَّدهم، وبان له منهم هذه المكاشفة، أعاد الجواب بأنكم أولادي، وما قلتُ ما قلتُ إلا بحكم الدالة، وإذا اخترتم الري فبعد خمسة أيام أتوجَّه إليها، وتقدَّم بضرب السرادق إلى ناحية الري، وحلف لهم وحلفوا له، ورتب أنوشروان وابنابجيل في تلك الأعمال، وسار نحو الري، وكان الذي أصلح هذه الأحوال خُمارتِكين الطغْرُلْبي، وهو المهتمُّ بوضع العساكر على السلطان، فأظهر له