الإنعام، ثم ما أظهرناه من التذلُّل والخضوع الذي كنَّا نطلبه قُربةً إلى الله تعالى، فعاد ذلك وبالًا علينا في الدنيا والآخرة، ولكنَّا واثقين من الله أن الله لا يُضيع جميلَ أفعالنا، ويرِي سوء المغبَّةِ لمن أضمر فينا سوءًا. وذكر كلامًا يقتضي التهديد والوعيد، فأُشير على الخليفة بتلافي هذا الأمر، وإلَّا بَعُدَ المرام، واتَّسع الخرق، فوقع التعيين على أبي الغنائم بن المحلبان، وأن يخرج إلى السلطان يستعطفه ويسترضيه، فقال: إن لم يحصل غرضُه من هذه الوصلة التي خطبها لم يكن قصدي له نافعًا، بل زائدًا في غيظه. فتوقَّف عن الجواب، فتأخَّر الخروج، وطالت الأيام، وزاد من رئيس العراقيين الاستقصاء في قبح الأفعال، وأشار القاضي والأعيان على الخليفة باستدراك الفارط، فأجاب وكتب وكالةً لعميد الملك، وأذِنَ لقاضي القضاة أبي عبد الله بن الدامَغاني وأبي منصور، وأوصلهما إليه، حتى شهدا عليه بما سمعاه، وخرج أبو الغنائم في التاريخ المذكور، وورد بعد خمسة أيام كتابٌ من السلطان مع ركابية بردِّ إقطاع الخليفة إليه، والاعتذار ممَّا جرى، وأن أبا نصر بن صاعد واصل بهدية ومشافهة، فطابت القلوب، ووقعت البشائر، وخلع على الركابية، وضُربت بين أيديهم الدبادب والبوقات، ورُفعت يد رئيس العِراقَين عن الإقطاع، وسُلِّم إلى وكلاء الخليفة، وكان في كتاب عميد الملك إلى رئيس العراقَين بأن الأمور عادت إلى أحسن ما كانت عليه، فبادرتُ بهذه الأحرف مبشرًا بأن تلك اللَّوثة التي ظهرت فيما يتعلق بوكلاء الدار العزيزة النبوية المقدسة -عمَرَها اللهُ ببقاء سيدنا ومولانا الإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين- زالتْ بأسرها من غير واسطة، إلا بآرائه التي رآها مولانا السلطان، جريًا على كريم عادتِه، وخُلقِه وسجيَّتِه، ومراعاةً لما فعل في الدولة العباسية، واحترازًا من شماتة عدو أو مقال حاسد، مع ما ظهر من خُمارتِكين الخائن من العصيان، واستجلاب الخذلان، وقد عجل الله بروحه إلى النيران، في دار الهوان، فكان يظهر أن ما يفعله بإشارة الدار العزيزة، وقد أراح الله منه. وذكر كلامًا طويلًا، وقال في آخره: وعليك بالخدمة والوصية والتقدم إلى سائر الزعماء بالعراق بمثل ذلك، وكتابي هذا من جرجان غُرَّة ذي الحجة، والرايات القاهرة متوجهة نحو العراق، وبعدَ هذا يصل رئيس نيسابور أبو نصر محمد بن صاعد ومعه رسالة تتضمن الخدم والقربة، والسلام. فكتب الخليفة