وفي يوم السبت الحادي والعشرين من ذي الحجة ورد الكافي أبو نصر محمد بن محمد بن جَهير من ميَّافارقين للنظر في ديوان الخليفة، وكان قد وقع الاختيار عليه، وأخرج إليه الكامل أبو الفوارس طراد نقيبَ العباسيين، وركب رئيس العراقيين وجماعةُ الحاشيةِ والخدم، ونزل بالحريم الطاهري منتظرًا لجواز الكسوف القمري، ودخل الديوان يوم الأحد التاسع عشر من الشهر منحدرًا في الماء معه الناس على طبقاتهم، وخرج من الخليفة توقيعٌ يدلُّ على الابتهاج بمورده والتقريظ له، وحمل إليه أطعمةً وفواكه.
وفي ذي القَعدة ورد أبو علي شادل بن محمد التاجر متقدم بعض اليمن هاربًا من مكة لدخول أصحاب الصُّليحي إليها، وقد قطع عليه الطريق، وكان لمَّا انهزم من اليمن دخل مكة وبها شَكَّر بن أبي الفتوح الحسني أميرًا، فاستنجده، فوعد شَكَّر ومَنَّاه، وأعطاه وأخذ منه عشرين ألف دينار على أن يُفرِّقها فيمن يسير معه، ولم يُقدِمْ شَكَّر على ذلك؛ لعجزه عن معاونة الصُّليحي، وأقام أبو علي قانعًا بسلامته، ومات شَكَّر ليلة الخميس ثالث شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين، وطلب مكانَه ابنُ عمه يحيى بن عبد الله بن جعفر الحسني، واستولى على دور شَكَّر بالبرقة وبينها وبين مكة خمسة فراسخ، واستدعى جماعةً من بني عمه ليستوثق منهم، فتربَّصوا عليه، وبلغهم وفاةُ شَكَّر، فتصوَّروا أنه أراد قبضهم، وأرادوا أن يكون الأمرُ فيهم فاجتمعوا في خمسة وأربعين فارسًا، وقصدوا بَرقة وبها يحيى، فانهزم وقُتل، فدخلوا مكة واستولوا عليها، وكان لشَكَّر عبد يقال له: محيا، فجمع العبيد، وفرَّق فيهم المال، وقصد مكة، فانهزم ابنُ أبي الطيب منها، وقصدوا أعمال الصُّلَيحي، فقوَّاهم بالمال والرجال، وساروا إلى مكة، وكان لمحيا منجِّمٌ، فقال له: لا تخرج اليوم ولا غدًا. فخرج وقاتل، فهزموه، ومضى في جماعة قليلة، ودخل الأشرافُ مكة، ومعهم بنو هذيل، وكان لهم عند شَكَّر ثأر، فقتلوا من العبيد مَقتلةً كبيرة، ونهبوا، والتجأ ابن شادل إلى البيت الحرام، واجتمع ببني هذيل، وذمَّ منهم بين قوم منهم، وضمن لهم مالًا، وحملوه إلى داره، وكان الصُّلَيحي قد قرَّر مع الأشراف حملَه إليه، وعلم، فهرب مع قوم من العرب، فقطع عليه الطريق، فدخل الكوفة عريانًا، فكساه ابن كروشان الهاشمي، وأقرضه ما