للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودخل السلطان فقبَّل الأرضَ بين يديها، وخدمها، ودعا للخليفة، وخرج من غير أن يجلس، وما قامت له، ولا كشفت البرقع عن وجهها ولا أبصرَتْه، وخرج السلطان إلى صحن الدار والحواشي يرقصون فرحًا، ويغنُّون بالتركية، وبعث إليها مع أرسلان خاتون عقدين فاخرين وخسروانيَّ ذهب، وقطعةَ ياقوت حمراء كبيرة، ودخل من الغد فقبَّل الأرضَ وخدمها، وجلس على سرير فضة مقابلها ساعةً، ثم خرج وأنفذ إليها جواهر مُثمَنةً، وفَرَجيةَ نسيج مكلَّلةً بالحبِّ، ومحبقةً منسوجة بالحَبِّ، وما زال كلَّ يوم يفعل ذلك يخدم ويبعث التحف، وظهر منه سرورٌ عظيم، ومن الخليفة تألمٌ كبير، وخلع السلطانُ في بكرة ذلك اليوم على عميد الملك في دار المملكة، وحمل على فرس بمركب ذهب، وأعطاه سيفًا مُحلًّى، وزاد في ألقابه حيث حصلت [له] الوصلة بسفارته، وخلع على جميع الأمراء والحاشية، وواصل عمل السِّماط أيامًا.

وفيها دخل الصُّليحي إلى مكة، واستعمل الجميلَ مع أهلها، وأظهر العدل والإحسان والأمن، وطابت قلوبُ الناس، ورخصت الأسعار، وكثُرت له الأدعية، وكان شابًّا أشقرَ اللحية، أزرقَ العينين، وليس باليمن أزرقَ أشقرَ [غيره] (١)، وكان متواضعًا، إذا جاز على جَمْعٍ سلَّم عليهم بيده، وكان فَطِنًا، قَلَّ أن يُخبِر بشيء إلا ويَصِحَّ، وكسا البيتَ ثيابَ بياض، وردع (٢) بني شيبة عن قبيح أفعالهم، وردَّ إلى البيت من الحُليِّ ما كان بنو أبي الطيب الحسنيون أخذوه لمَّا ملكوا بعد شَكَّر، وكانوا قد غيَّروا البيت والميزاب، ودخل البيت ومعه زوجته، ويقال لها: الحُرَّة، وكانت حُرَّةً كاسمها، مدبِّرةً مستوليةً عليه وعلى اليمن، وكان يُخطَبُ لها على المنابر، يُخطَبُ لها بعد المستنصر والصُّليحي، فيقال: اللهمَّ وأدِمْ أيام الحُرَّة الكاملةِ السديدة، كافلةِ أمير المؤمنين. وكانت لها صدقاتٌ كثيرة، وكرَمٌ فائض، وعدلٌ وافر.

وأقام الصُّليحي إلى يوم عاشوراء، وراسله الحسنيُّون، وكانوا قد بَعُدوا عن مكة: اخرُجْ من بلدنا ورتِّبْ منا من نختاره. فرتَّب محمد بن أبي هاشم في الإمارة، ورجع إلى اليمن، ومحمد [بن أبي هاشم] صهر شَكَّر على ابنته، وأمَّره على الجماعة، وأصلح


(١) ما بين حاصرتين من (ف) و (م) و (م ١).
(٢) في (م) و (م ١): وردَّ.