للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زِلْنا في أيام السلطان مدفوعين، عن (١) إقطاعاتنا خائفين، وغيرُنا يأكل بلادنا، من غير أن حدَّثْنا نفوسَنا باستضافة ما لم يكن لنا، فإن دفعتموني عمَّا كان لآبائي وأجدادي، فمن بُغيَ عليه لينصُرنَّه الله، وإن أُجريتُ بجري غيري فليرجع كلُّ واحدٍ من هؤلاء الأمراء إلى مكانه، وإني جارٍ في الطاعة مجراهم، وخادمُ الدار العزيزة. فثَقُلَ على دُبَيس والجماعة قولُه؛ لكونه تعرَّض لما مدُّوا أيديهم إليه، وطالعوا الخليفة، فكان الجواب: لو كان باطنُ ما أورده كظاهره ما أُنكِرَ عليه، ولكنه قد أبطن العصيان، وظهرت أماراتُ الفساد منه، وما لَهُ عندنا جوابٌ عن رسالة، ولا ها هنا غيرُ دفعه ومحاربته.

وتقدّم إلى الجماعة بدفعه عن هذه البلاد والعبور إلى النجمي والنزول على الرملة، فأجابوا بالسمع والطاعة، وأرسلوا إلى أعمالهم يحشدون الرجال من العرب والديلم وغيرهم، وقال الوزير للمرسل: قد جئتم برسالة ظاهرها الطاعة، وأفعالُكم تنافيها، وما كُوتِبتُم إلا كما كُوتِبَ غيرُكم، ولتكونوا في الخدمة طائعين، وقد ظهر منكم ضدُّ ذلك، فإن كنتم صادقين فابعثوا بعبس بن عيسى، فإنه وجهُ عشيرتكم، ومُقدَّمُ أمرائكم، لنقرِّر معه قاعدةً يجري الأمرُ عليها.

وبينما الناسُ على هذا وصل مسلم إلى أجمة الريادة، وهي على ثلاثة فراسخ من بغداد، فعبر الحاجب ودُبيس وبنو ورَّام وبدر بن مهلهل والغلمان إلى الجانب الغربي، ونزلوا بالنجمي وباب الشام وباب التبن، وجاء بعبس من عند مسلم، فأورد ما أورده الرسل أولًا، وقال: أنا على الطاعة إن أُعطيتُ … أماكن سمَّاها استوعبَتِ العراق، فأُعطي بعضَها، فلم يقنع، وعاد إليه رسولُه، واختلفت الأمراء على الخليفة، وتقدم إلى دُبَيس بتولِّي حربه، فامتنع وقال: أحتاج إلى صاحب [جيش] (٢) يندبه الخليفة معي، تسيرُ الجماعةُ تحت رايته، ويكون معه من المال ما يعطيه لمن يبينُ بين يديه، وورد ولد دُبَيس من واسط، ومعه جماعةٌ من العرب الأسدية والديلم والأتراك الواسطية والبغدادية، وورد رجب بن مَنيع في جماعة من بني خفاجة ومن بلد بدر بن


(١) في (ف): في.
(٢) ما بين حاصرتين من (ف).