للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استولى البساسيري على القائم وأخرجه إلى الحديثة، وكان شجاعًا جوادًا حليمًا، عصى (١) عليه جماعةٌ، فعفا عنهم ولم يؤاخذهم، وكتب بعضُ خواصِّه إلى أبي كاليجار بن بويه كتابًا يذكر فيه سوء سيرته فوقَّع على الكتاب، ولم يقُلْ شيئًا، وكان عميد الملك قد استولى عليه، وتُوفِّي بالري يوم الجمعة ثامن رمضان، وكانت مدة ملكه خمسًا وعشرين سنة، وقيل: ثلاثين سنة، وعمره سبعون سنة، وقيل: جاوز الثمانين، [وقيل: في عشر الثمانين] والأول أصح.

قال عميد الملك: قال لي السلطان: رأيتُ في منامي كأني رُفِعتُ إلى السماء وأنا في ضباب، لا أدري ولا أبصر ساعةً، وإني أَشَمُّ رائحة الطيب، فنُوديتُ: أنتَ بقرب الباري ﷿، فسَلْ حوائجك، فقلت في نفسي: ما من شيء أحبُّ إليَّ من طول العمر، فقيل لي: تعيش سبعين سنة، وانتبهتُ. قال عميد الملك: فجلستُ فحسبتُ عمره، وإذا به سبعون سنة. وكانت قد توالت عليه أمراض مختلفة، وواصلته حمى ملازمة، وأخرى مناوبة، وما كان يحتمي، ولا يشرب دواءً، فآل به الأمر إلى سقوط القوة، فكان يرعف دائمًا، فحُمِلَ من المخيم إلى دار السلطنة في مِحفَّةٍ فمات بها [في التاريخ المذكور] فغسَّلَتْه زوجتُه أم سليمان، وفرُّوخ الخادم، وكفَّنته ودفنته.

وكان عميد الملك يحاصر قُتُلْمِش في قلعة كَرْدكوه، فأرسلوا إليه، وأقام الناس يوم السبت والأحد وهم يظنون أنه في عافية، والأمور على حالها، والطبل يُضرَبُ على رأسه (٢)، واستحلف ابنابجيل الحُجَّاب والخليفاتية ومن كان عنده لسليمان بن داود الذي نصَّ عليه السلطان، وكنيته أبو القاسم، ولقبه مشيد الدولة، وسار الرسول إلى عميد العراق آخر نهار الجمعة، ووصل إليه يوم الاثنين ضحوة، والمسافة نيِّفٌ وستون فرسخًا، فجمع العساكر وغيرهم، وعرَّفهم الخبر، وقال: أنتم تعلمون أني وإياكم عند ذلك السلطان، وقد مضى لسبيله، وكان عهد إليَّ وإليكم في معنى ولد أخيه، وأنا قانعٌ بثوبٍ ألبسه، وفرسٍ أركبه، وأعيش فيما بينكم، فإن ساعدتموني فعلتُ معكم ما يوفي


(١) في (م) و (م ١): بغى، والمثبت موافق لما في النجوم الزاهرة ٥/ ٧٣.
(٢) في (م) و (م ١): عادته.