للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المستنصر، فقيَّدَ ابنُ منزو بني أبي الفتح، وبعث بهم إلى صور، وعاملهم بالمكروه، وطلب المال الكثير، وقسط على أهل البلد مئة ألف دينار جزاءً عن طاعتهم لبني أبي الفتح، وكونهم خلعوا صاحب مصر، ومنع الذين استأمنوا إليه من سُكنى البلد، وأمرهم بالانفساح في الشام، فطلبوا منه العطايا والخِلَع، فوعدهم بالجميع، وقبض عليهم ليلًا وصلبهم، وهم الذين كانوا يعاونون بني أبي الفتح، فاستقام أمرُ طرابلس.

وفي هذا الوقت ورد الخبرُ أنَّ المستنصرَ صاحبَ مصر ضرب ابنَ أبي كُدينة أحدَ الوزراء المصريين والقضاة المستورين، وعاقبه ودهقه في المعصار حتى كاد يموت، فمنعَتْه والدتُه عنه، وأخذَتْه منه، وقالت: ما تريد من هذا الرجل؟ قال: المال. قالت: ما هذا طريقه، وربما هلك في تضاعيف ذلك، وأنا أقرِّر لك عليه ما تريده منه. فغضب وخرج من القصر ماشيًا إلى الجامع الأنور، وهو أول جامع بُني في القاهرة، وعرف وجوهُ الدولة فانزعجوا، وجاؤوا إليه وقالوا: ما هذا الفعل الشنيع؟ فقال: أنا مغلوبٌ على أمري، ومدفوعٌ عن أغراضي، وقد تركتُ الأمر لمن غلبني عليه، وعزمتُ على المُقام بهذا المكان والانقطاع فيه إلى الله تعالى. فقالوا: يا مولانا، اللهَ اللهَ فينا وفيك، ومتى لم ترجعِ الساعةَ إلى القصر نُهِبَ ونُهِبَ البلدُ جميعُه، وتفاقم الأمر تفاقمًا لا يمكن استدراكُه، ورفقوا به حتى محاد إلى القصر.

وفي يوم الأربعاء حادي عشر ذي الحجة اقترن زُحل والمريخ في برج السنبلة حادي عشر ذي الحجة، فحكم المنجِّمون بأن يكون يوم العيد فتنةً عظيمة، فغلب ذلك على العقول، حتى صار كالحقِّ الذي لا شبهةَ فيه، وتأخَّر خلقٌ عن صلاة العيد، وأنَّ الفتنة تكون في يوم العيد وغدِه في دار الخلافة (١)، فخرج الخليفةُ ليلًا من داره إلى الحريم الطاهري على وجَلٍ (٢)، وامتنع العميد من التصرف [وانتظر الناس ذلك العيد وغدَه] ولم يجْرِ غيرُ الخير، وعاد الخليفة إلى داره في الليل.

وفي ذي الحجة بُدئ بعمل [مدرسة للشافعية على دجلة بنهر مُعلَّى، بأمر نظام الملك، وهي التي تُسمَّى] المدرسة النظامية، ونقض لبنائها في الدور التي كانت للناس


(١) في (م) و (م ١): دار الخليفة.
(٢) في (خ): وجد، وفي (ف): وجه، والمثبت من (م) و (م ١).