قد ذكرنا أنه لمَّا مات السلطان خطب لابن أخيه سليمان، وفرَّق الأموال في العساكر، وكتب إلى ألب أرسلان كتابًا أرعد فيه وأبرق، بناءً على أنَّ ألب أرسلان يقنع بخراسان، فلم يقنَع، وسار من نيسابور يريد الري، ولمَّا رأى عميد الملك الغلبة خطب لألب أرسلان، وجاء إلى الري وملكها، ولم يظهر لعميد الملك ما في قلبه، وكان ملازمًا لخدمته.
وقال محمد بن هلال الصابئ: حدثني بعض أصحاب عميد الملك بخبره منذ يوم قبض عليه إلى حين قُتِل -وكان في خدمته- قال: لمَّا كان يوم السبت السابع عشر من المُحرَّم أمر ألب أرسلان بإخراجه من حضرته، وخلع على وزيره نظام الملك من ساعته، وجاء عميدُ الملك إلى داره، فسأله أبو البدر كاتِبُه عن حاله، فقال: كنت جالسًا عنده على عادتي في مجلس الشرب، فخاطبه حاجبٌ في تركمانيٌ ممَّن أُسِر من أصحاب قُتُلْمِش. قال: ومَنْ ذاك الكلب حتى تخاطبني فيه؟ امْضِ يا غلام فأتِني برأسه. فقمتُ وقبَّلتُ الأرضَ وقلت: ما يَحسُنُ في مقابلةِ الحاجبِ ذهابُ نفسِ مَنْ خاطب لأجله. فاغتاظ، وقال: أنت قد تعوَّدتَ أن يكون المِلْكُ من قِبَلِكَ، والأمرُ والنهيُ لك، وما عندي شيء من ذلك، فارجع عما عهِدْتَه، واعدِلْ عما ألِفْتَه، وتصوَّر أنني قصدتُ إيحاش الحاجب منه، وكان قبل ذلك قد خلع على سرخاب قَلنسوةَ ذهب وقَباءَ نسيج كانا للسلطان، فقلت: أنتَ أمرُكَ من أمر الباري سبحانه، لا يُسألُ عمَّا يفعل، وإلَّا فمَنْ سرخاب حتى تعطيه قَلنسوةَ السلطان وقَباءه. فازداد غيظًا، ودخل سرخاب وجلس وركبتُه على ركبتي، فضايقني، وقد كان من قبلُ يقف بين يديَّ ويُقبِّلُ الأرضَ، فعزَّ عليَّ ما فعل بي، ثم التفت السلطانُ إليَّ وقال: ضيَّعتَ المال عليَّ ومزَّقتَه. فقلت: يا سلطان، لا تفعَلْ هذا، فلولا ما فعلتُه من بذلِ المال وإعطاءِ الغلمان ما حصل لكَ مالٌ، ولا قلعة ولا الري، ثم إنني قد أخلفتُ من حاشية السلطان عِوَضَه. فقال: كذبتَ وما قصدتَ هذا، وأنت بمنزلة البازي الذي يصيد، وعنده أنَّ الصيد له، فيجيء صاحبُه فيأخذُه منه، وأنت ضيَّعتَ المال طمعًا في الملك أن يصحَّ لك، ويجتمعَ الغلمان عليك، وكيف تصوَّرتَ وأنت تدَّعي الحكمةَ وفصل الخطاب، وقراءةَ الكتب ودراسةَ