للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآداب، أن يموت عمِّي وأن ابن يسابور في مدّة ألف فارس، وأخي قاروت بك بفارس في عساكره وقُتُلْمِش بإزائك في خمسين ألفًا، ويمكنك الخلاص منا، والاستبداد بالملك دوننا؟ ولكن هذا هو الجهل الصريح (١). ثم غضب، وكان منتظرًا السلاحَ ليقتلني، وأنا اجيبه بما أستوفيه، فأمر بإخراجي وإبعادي عنه، وأراد الفتك بي، ثم قام فدخل حجرته، وردَّ الأمورَ إلى نظام الملك، وتأخرتُ إلى بعض الأماكن في الدار، فخرج وقال: أين أبو نصر؟ فقمتُ وقبَّلتُ الأرضَ بين يديه، وتذللتُ وتضرَّعتُ إليه، فقال: ما لك قد خُدِشْتَ؟ أردتَ أن تكون ملكًا بهذا القلب! فقلت: وكيف لا أجزع من سلطان مثلك، ولئِنْ فزِعْتُ منك أن تعاقبني، فكذا أرجو أن تعفو عني وتسامحني. فقال: امضِ إلى دارك، واعلَمْ أنني لم أخرُجْ إليك بما في قلبي وعندي ما تخافه. فقبَّلتُ الأرض، وخرجتُ إلى داري، فقيل لي: باكِرْ خدمتَه ولا تُرِه انقباضًا، ولا أنك مستوحشٌ منه. فباكرتُ إلى الخدمة، فلمَّا وصلتُ إلى باب الحجرة لم يؤذَنْ لي، فقمتُ إلى نظام الملك فهنيتُه وخدمتُه بخمس مئة دينار، فوعدني بما طيَّب به قلبي. قال: وخرج من الدار، فتبعه أكثر العسكر، وبلغ السلطان فقيل له: إذا كانت طاعةُ العسكر له هذه الطاعةَ مع غضبك عليه وإهانتك له، فكيف إذا كان في حالة الرضا، وهو معك في البلد الذي قد ملك قلوب أهلِه بالمال وغيره؟ وفي داره ثلاث مئة غلام، وهو في دارك يشرب معك دائمًا، وربما لاحَتْ له فرصةٌ فيك، فأرسل إليه يقول: هؤلاء الغلمان الذين عندك لا حاجة لك إليهم، فأرسِلْهم إلينا. فأرسلهم إلا أربعة، فإنه سأل أن يبقَوا عنده، ففرَّق الغلمان في الحُجَّاب، ولم يشعر إلا بعميد خراسان قد هجم عليه ومعه خمسون رجلًا، فتوكل به، وبعث عميدُ الملك إلى نظام الملك، وسأله الاجتماع به، فجاءه نظام الملك، فسأله أن يخاطب السلطانَ فيه، فوعده وطيَّب قلبه، ثم بعث إليه السلطان يقول: أثبِتْ جميع مالك ونفِّذه إلى الخزائن. فأخرجَ جميعَ ما كان في داره من الثياب والمصاغ، ولم يجد عنده سوى ألف دينار وسبعين ألف درهم -قيل: كان قدور المطبخ- وتقدَّم إليه بالمسير إلى مَرو الرُّوذ إلى أن يمضيَ السلطانُ إلى الروم إلى الغزاة، ثم يعودَ فيُحضِرَه إلى خدمته. وكان له صبيٌّ تركيٌّ قد تبنَّاه، ويحبُّه محبةً عظيمةً، بحيث


(١) في (ف): الصراح.