للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرأي فيه، مُظهرًا الجميل له، وحضر ليلةً عنده والسلطان سكران، فسمع صوتَ طبول بعد طبوله، فقال: ما هذه؟ قيل: طبول تاج الملوك. فقال: ومَنْ هو هزارسب حتى يفعل هذا من غير إذن؟ فانكسر هزارسب، ثم أصبح السلطان فخلع عليه واعتذر إليه، وبعث السلطان إلى العراق مَنْ يقبض على كتَّابه، فهرب أبو يعلى كاتبُه إلى حِلَّةٍ لأبي الأغر دُبَيس، ونَهَبتِ الديلمُ دُورَه ودُورَ المتعلِّقين به بالأهواز، وكان السلطان قدم خُوارَزم، واستقبلَتْه الخِدَم (١) في جملتها سَبيخة دَبيقي (٢) فيها دنانير قدَّمها نظام الملك، فأخذ السلطانُ منها كفًّا، ومدَّ يدَه إلى ولده الأكبر إلياس، فسعى على ركبتيه، وقبَّل الأرض بين يديه، فأخذها وعاد إلى موضعه على ركبتيه، وكان هزارسب حاضرًا، فأوما إليه السلطان بكفِّ آخر، فقام قائمًا، وقبَّل الأرض ومشى إليه، وأخذها منه، فثَقُل على السلطان، حيثُ إنه لم يسْعَ على ركبتيه، وقال له: أنت قد طار في رأسك الملكُ ومكاتبةُ الخليفة بطلبه، وبذلِ المال والاشتغالِ بنيسابور على الأهواز للتحصُّن، فانزعج واعتذر، وقال: واللهِ ما أحللتُ بذلك، إلا لأنها عادةٌ لا نعرفها، والقيامُ على أرجُلِنا هو أقصى نهاية الخدمة. واندرج المجلسُ على هذا.

وركب السلطانُ من الغد، والتقاه أيتكين الحاجبُ حاجبُ أخيه سليمان، فلما رآه قال: أحسنت يا مؤاجر، تأخَّرتَ عني ولم تتبَعْني طلبًا للسلامة وتوقُّعًا لسوء المنقلب. وأمر به، فنكس من فرسه، ونزل إليه فضربه، فقدَّه نصفين، وقال: هاتوا هزارسب ليبصره. فارتاع هزارسب، ومضى إلى نظام الملك، وطرح نفسه عليه، وقال: ما أعرف إصلاح حالي إلا منك. وحمل إليه مالًا، وإلى خاتون زوجة السلطان، فحمله نظام الملك إلى السلطان، فلمَّا دخل عليه قال: ما أعرفُ لي ذنبًا أستوجب به هذا، وأما السُّور الذي أردتُه على الأهواز فركن الدين أمرني به، وأما ما حُكي عني من طلب الملك فإنما هو زورٌ اخْتَرَصَهُ (٣) أعدائي، حتى أفسدوا جميل رأي السلطان فيَّ. فقال


(١) الخِدَم: الهدايا. تكملة المعاجم لدوزي ٤/ ٣٢.
(٢) السَّبيخة: هي قطعة من القطن المنفوش المندوف. والدَّبيقي نسبةً إلى دَبيق: قرية بمصر. المعجم الوسيط (سبخ) و (دبق).
(٣) اخترصَ القولَ: افتَعله. المعجم الوسيط (خرص).