وكان قبله خَرْبُشت (١)، فلمَّا دخل الغُزُّ بغداد وجاء شرفُ الملك إلى بغداد عزم على بناء القُبَّة، فهدم جميع أبنية المسجد وما يحيط بالقبر، وبنى هذا المشهد، وجاء بالقطَّاعين والمهندسين، وابتاع دُورًا من جوار المشهد وحفر أساس القُبَّة، وكانوا يطلبون الأرض الصلبة، فلم يبلغوا إليها حتى حفروا سبعة عشر ذراعًا، فخرج من هذا الحفر عظامُ الأموات الذين كانوا يطلبون جوار النعمان أربع مئة عين، ونُقِلت جميعُها إلى بقعةٍ كانت لقوم ملكًا، فحفروا فيها ودفنوها، وخرج في ذلك الحَفْر -يعني الأساس- شخصٌ منتظم العظام له ريحٌ كريح الكافور. وقال ابن عقيل: فقلت: وما يدريكم لعلَّ النعمان خرجت عظامه في هذه العظام وبقيت القبة فارغة، وبلغ شرفَ الملك، وكانت العمارة في سنة تسعٍ وخمسين وأربع مدّة، وساجُه وأبوابُه غصبٌ من بعض بِيَع سامراء. قلت: قد كان ابنُ عقيل من أكبر المتعصِّبين على أبي حنيفة وأصحابه. وقوله: وأنا ابن خمس سنين، وهل يُدرك هذا الإدراكَ ابنُ عشرين سنة؟!. وذكر ابن العميد أنه جمع الصنَّاع والمهندسين وغرم على القُبَّة ألوفًا، وكيف يخفى عليهم موضع الضريح؟ ثم أوهم أن الشخص الذي فاحت منه رائحة الكافور هو الإمام. وما مقصودُه إلا الإبهام. وقوله: غصبوا الأبواب والساج من بعض البِيَع، فيحتمل أن أهل تلك البيع نقضوا العهد أو كانت خرابًا، ولو صحَّت دعواه فإن الغاصب عند أبي حنيفة يملك الساحة؛ فإنه لا معتبر في الدنيا بالعظام، وإنما الاعتبار بالأرواح، وهي في دار السلام، والله سبحانه أعلم].
وفي شعبان وردت الأخبار أن ألب أرسلان لمَّا توسَّط بلادَ كرمان طلب أخاه الأمير قاروت بك، وكان قد تحصَّن ببلد حصين، وعليه سورٌ مكين، ويحيط به خندقٌ عميق، ويُسمى البلد بردشير، فبعث إليه أرسلان مقدِّمتَه، وسار خلفها، وخرج قاروت بك من البلد، فلقي المُقدِّمة، وفيها الحاجبان الطباش وجاولي، والتقَوا، فقُتِل بينهم عددٌ كبير، وجاءت رايات صاحب مصر على والدته وأخيه، فضمَّها إلى قصره، وكان في العسكر أميرٌ تركيٌّ يقال له: سلطان الجيوش، فاستمالوه بولاية تِنِّيس ودمياط وأعمالها، وولي سنان الدولة أماكن، وفرَّقوا البلاد في المقدمين خوفًا من ابن