حمدان، وحصل الشام في يد بدر الجمال، والصعيد في يد المغاربة، والإسكندرية في يد ابن حمدون، ودمياط وما والاها في يد سلطان الجيوش، ولم يبقَ لصاحب مصر إلَّا ما حول القاهرة وقَرُبَ منها.
وفي ذي القعدة لبس الوزير ابن جَهير خِلعةَ السلطان ألب أرسلان، وبعث بها إليه، وكانت فَرَجيةَ طميم وعمامةً مُذهَبة ومركبَ ذهب على فرس، وكتب إليه كتابًا يتضمن الشكرَ وحقدَ القائم عليه، حيث لبسها في داره، وجلس الوزيرُ ابنُ جَهير في بيت النُّوبة للهناء، وخرج إليه توقيع الخليفة، ومضمونه: لمَّا اتَّضح للسلطان الأعظم -وذكر ألقابه- لُطْفُ محلِّكَ يا فخر الدولة أبا نصر محمد بن محمد بن جَهير، وتأثُّلُ مكانِكَ، وتخصيصُكَ بشريف آراء أمير المؤمنين فيك بما تجاوزت به مراتب مَنْ تقدَّمك من أمثالك وألقابك، رأى أن يَحبوك بما يقصد به التقرب إلى الخدمة الشريفة، ومضايفة الآراء في اعتمادك بالآلاء الجسيمة، ويقابل مواقفك في الخدمة التي وضحت دلائلُها، وراقت من الأقذاء مناهلُها، ومقاصدك الرضية التي أنبَتْ عن حميد الجلال، وقطعت أطماعَ من يروم إدراك شأوِكَ من النظر أو الأمثال، مع ما في ظن ذلك مما يدلُّ على جميلِ رأيه فيك، واعتدادِه بمساعيك، وقد أذِنَ أميرُ المؤمنين في ادِّراع ما يحصل لك الشرف به والبروز فيه، ويلقى ذلك بما يلائم الصواب ويضاهيه، ويُبدي الكافةُ ما لا يزال الإمام يُظهِره من تضاعف حصونك بحضرة الخليفة المعظَّمة، ووجاهةِ منزلك من الإمامة المكرَّمة، والله تعالى يُمتع أمير المؤمنين بعضد دولته التي تفرد بها في الزمان، وطال بها مناكبَ الأقران.
وفي يوم السبت عاشر ذي القعدة جمع أبو سعيد القايِني الناس على طبقاتهم إلى المدرسة النظامية، وكان نظام الملك بناها برسم أبي إسحاق الشيرازي، فلمَّا تكاملوا فيها تأخَّر مجيءُ أبي إسحاق، وطُلِبَ فلم يظهر، فوقع العدول إلى أبي نصر بن الصباغ الشاهد، وضمن له أبو منصور بن يوسف أن لا يعدل عنه، فركن إلى قوله، وذكر الدرس، وتفرَّق الناس، وخجل ابنُ الصباغ لتأخُّر أبي إسحاق، وأجرى المتفقِّهة لكلِّ واحد منهم أربعة أرطال خبز في كل يوم، وظهر أبو إسحاق في مسجده بباب المراتب، فدرَّس على عادته فيه، واجتمع إليه العوامُّ، ودعَوا له وأثنوا عليه، وكان قد بلغهم عنه أنه قال: إنني لم أطِبْ