للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسًا بالجلوس في هذه المدرسة لما بلغني عن آلَتِها، وأنَّ أبا سعيد القايِني غصب أكثرها، ونقض قطعة من البلد لأجلها، ولحِقَ أصحابَ أبي إسحاق قصورٌ، وبأن فيهم فتورٌ، وراسلوه بما عرضوا فيه بالانصراف عنهم، والمضيِّ إلى ابن الصباغ إن لم تُجِب وترجِعْ عن الأخلاق الشرسة، فأجابهم تطييبًا لقلوبهم، وتسكينًا لنفورهم، وغيظًا من ابن الصباغ، حيث جلس في موضعه، وسعى هو وهم حتى صرَفَ ابن الصباغ، وكان نظام الملك لمَّا بلغه امتناعه من التدريس فيها أقام القيامة على عميد القايِني، وكتب يلومه ويوبِّخه ويتهدَّده، ويقول: لمن بنَيتَ هذه المدرسة إلا لأبي إسحاق؟! فجاء إليه أبو سعيد، وأراه الكتاب، فلم يُجِبْ، فمضى إلى بيت النُّوبة، وراسل الخليفةَ، فبعث إلى أبي إسحاق يقول: قد عرفتَ حالنا مع الأعاجم، وأخافُ أن يُنسَبَ ذلك إليَّ. فجاء أبو إسحاق وبيده آجُرَّةٌ كبيرةٌ كان يجلس عليها إذا قعد في المدرسة، وجلس بها يوم السبت غُرَّة ذي الحجة، وكان إذا حضر وقت صلاة خرج منها وصلى في بعض المساجد، فكانت مدةُ مقام ابن الصباغ فيها عشرين يومًا.

وقال أبو علي المقدسي: رأيتُ أبا إسحاق الشيرازي بعد موته في النوم، فقلت له: ما فعل اللهُ بك؟ فقال: طُولِبتُ بهذه المبنية -يعني المدرسة النظامية- ولولا أني ما أدَّيتُ فيها الفرض لكنتُ من الهالكين (١).

وفي ذي القعدة قُتِلَ الصُّليحي أميرُ اليمن بالمَهْجَم، قتله سعيد ولد نجاح أحد أمرائها المتقدِّمين، وأُقيمت الدعوة العباسية باليمن، وقُطعت الخطبة المصرية، وورد بذلك كتاب من مكة -حرسها الله تعالى- معلمًا لحضرة الوزارة، ومهنيًا بالدولة الإمامية القائمية لِما فتح اللهُ من إقامة الدعوة على منابر اليمن فيما قَرُبَ وما بَعُدَ، وذلك لأنه لمَّا كان في رابع عشر ذي القعدة ورد إلى مكة مَنْ أخبر أن سعيد بن نجاح كان أبوه واليًا على اليمن، وأنه خرج هذا الزمان في عصابة من الخيزُرانية (٢) بزَبيدٍ فاستولى عليها، وأنه سار إلى الصُّليحي في عدد يسير، وكان الصُّليحي قد عزم على الحجِّ فبلغه وهو بالمَهْجَم، فبعث بنعيم الصَّيمري في عسكر كبير، فحذَّرهم قتال


(١) الخبر بنحوه في المنتظم ١٦/ ١٠٢ - ١٠٣.
(٢) في (خ): الحيزانية، والمثبت من (ف).