إلى ما يؤول إلى السخط والصَّرْف، ويتخمَّر ذلك في القلب والنفس، فأما قصدي باب الحجرة المعمورة وما قلتُه وسألتُه واقترحتُه فلم يكن لأمرٍ يعودُ عليَّ نفعُه، وإنما الأمرُ زاد ممَّن يحضر من أدوان الحواشي والأتباع، ويخرج فيتحدَّث بما يجري، ويصل إلى العامَّة، فيُتمِّم القباحة التامة، فأشرفُ بما أشرفُ حمية للخدمة الشريفة لا لشيء آخر، وأما حديث الخِلعة فما ظننتُ أن ذلك القدر اليسير يصدر عن هذا الباطن الكبير، وأما ما يتعلَّق بالكتب فأنا أحلف بكلِّ ما يحلف به المسلم أنني ما شعرتُ بها، ولا تقدَّمتُ فيها بشيء، وإن كان أقدمَ على ذلك من تعلَّق بي، فالأمر السامي نافذ فيه، وما ينبغي أن أُؤاخذ أنا به، وإن كان ولا بُدَّ من تسييري فإلى حِلَّة نور الدين بن مَزْيد. فخرج الجواب عن الفصل الأخير المتعلِّق بالمسير إلى حِلَّة نور الدين، واطَّرح جميعَ الأجوبة عن الفصول، وعيَّن الوزير على خروجه باليوم العاشر من الشهر، وخرج إليه من الخليفة توقيع نسخته: معلوم يا محمد بن جَهير أنه لم يظهر لك خيانة في دولة ولا مال، لكن ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ٣٨ - ٣٩] ثم أذن له في بيع غَلَّاته والتصرُّف في ماله على إيثاره وإيثار أصحابه، فباعوا ما أرادوا من الرحل والقماش والدُّور والعقار، وطلَّقوا النساء، وأيتموا الأولاد، وظهر من الاغتمام عليهم من جميع مَنْ شَمِلَتْه الدار، من خدمٍ وأتباعٍ وخواصٍّ ورَعاعٍ شيءٌ كثير، وجاءه منهم العدد الكثير ليلًا، نساءً ورجالًا، باكين لمفارقته، محزونين لِبُعده، وهو يبكي معهم ويجزيهم خيرًا، وخرج غلمانه وأصحابه يوم الخميس المذكور وقد اجتمع العوامُّ يدعون لهم، ويبكون عليهم، وقُدِّم له وقت العتمة عند باب الرقة جنكولية غاليةٌ من فراش، وجاء أولاده معه حتى وقف عند باب بيت النُّوبة وشُبَّاك المدورة، وظنَّ أن الخليفة في الشُّبَّاك، فقئل الأرض عدة دفعات، وبكى بكاء شديدًا، وقال: اللهُ بيني وبين مَنْ غيَّر قلبك عليَّ يا أمير المؤمنين، فارحَمْ شيبتي وأولادي وذُلِّي وموقفي، وارْعَ حُرمتي وخدمتي، ولا ترتكب في مثلي هذا الفعل، فلما يئس نزل إلى دجلة معضَدًا بين اثنين وهو يبكي، والعامة تبكي لبكائه وتدعو له، فيردُّ عليهم ويدعو لهم ويودِّعهم، وجلس في الجنكولية، وعبر إلى النجمي