للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والرابع: أنَّكَ تحضر بابَ الحجرة من غير استئذان ولا استدعاء، وتقول: ما أُحِبُّ أن يدخل هذا المكان غيري، ورُمْتَ أن تصرف مَنْ جرَتْ عادتُه في هذا الموضع ومن يَقْرُبُ منه. والخامس: أنَّكَ كتبتَ إلى عضد الدولة ألب أرسلان تطلب خِلعةً من غير استئذان ولا اطِّلاع لنا عليها، وسألت لبسها في الدار العزيزة والتجمُّل بها، فقيل لك: هذا ما لا يجوز الإذن فيه؛ لأنه إنما يتجمَّل بما يلبس مما يخرج من الدار، لا بما يجيء إليها، فلم تفعل، وعزمت على مكاتبةِ ألب أرسلان وسؤالِه أن يشفع فيك في هذا المعنى، مخفيًا أن يُحدِثَ ذلك وحشةً له؛ لأنه لا يعلم الغرض الذي قصدناه، فأذِنَّا لك على مضض، وجمعتَ الناس في بيت النُّوبة ولبستَها، وهُنِّيتَ بها. والسادس: الكتاب المُكتتب عن عفيف الخادم أجلِّ خادم في الدار وأخصِّهم بالخدمة الشريفة إلى المصريين -عليهم لعائنُ الله والناس والملائكة أجمعين- في الانحياز إليهم والالتحاق بهم، وإن كان من الهوَسِ الذي لا التفاتَ إليه، والهذيانِ الذي لا اعتمادَ عليه، وأجرى الله تعالى عليَّ جميلَ عوائدِه في الوقوع على هذه الفعلة الرديَّة، والفكرة المشتملة على كل بليةٍ ورزيَّة. والسابع: إخراجُك ولدَك إلى ألب أرسلان والتقوِّي والتعزُّز والاستظهار على الخدمة الشريفة بالالتجاء، وراسلناه فلم يفعل، ونهيناك فلم تقبل، والآن فانظر إلى أيِّ جهة تُحِبُّ أن تقصدها لِتوصَلَ إليها على أجمل حال وأكمل احتياط. فبكى الوزير وانزعج وقلق وأجاب: وأما ما بذلتُه وقلتُه فلو طُولِبتُ به وأُلزِمتُه لسمعتُ وأطعتُ وسارعتُ وامتثلتُ، ولَما أُهملتُ وأُغفلتُ، ظننتُ أني قد سُوهلتُ فيه وسُومِحتُ، فأما مسلم بن قريش فأنا أحلف بالأيمان المغلَّظة أنني ما استدعيتُه إلَّا خوفًا على الباب العزيز أن يطمع مُطامِع، وتَقْدُمَ بغدادَ في جمعٍ لا يسمع ولا يطيع، فإنَّ طُغْرُلْبك كان قد مات، واختلفت الآراء، فلما ظهر ما كان في نفس مسلم كامنًا ولم أعلم به، رددتُه صاغرًا، وأبعدتُه كارهًا، ثم أعدتُه إلى الديوان مِنْ بعدُ خادمًا مستجيرًا، ولائذًا بالعفو مستعيذًا، وأما التوقيعات فما قصدتُ إلَّا التخفيفَ عن الحاضر الشريف، والإشفاقَ على الخزانة لقلة المال، وحيثُ جهلتُ في فعلي، فقد كان يجبُ أن أُنبَّه على غلطي وأُرشَدَ إلى صلاحي، ولا أُتركَ على حالي، وأنتهي فيه