لصاحب مصر؛ لأن آلات الخلافة مجتمعة من نسبٍ صحيح، وحسبٍ صريح، وطريقةٍ مستقيمة، وأفعالٍ جميلة، وانقسم عسكر مصر قسمين؛ قسمٌ مع ابن حمدان، وقسمٌ عليه، وزادت مطالبتُه بالأموال حتى استوعبها وأنفذها وأخرج جميع ما في القصر من ثياب وأثاث، حتى المُحقَّرات والمستعمَلات وثمَّنها على العسكر بالثَّمن النَّزر، وحالف أمراءَ الأتراك سرًّا على صاحب مصر، وعرف صاحب مصر ذاك مضافًا إلى ما سمع عنه من حديث الشريف ابن أبي الحسن، فقلق وراسل ابنَ حمدان بأنك قدِمْتَ علينا زائرًا، وجئتنا ضيفًا فقبِلْناك وأكرمناك، وقابلتَنا بما لا نستحِقُّه منك، ونحن عليك صابرون، وعنك مُغضون، وقد انتهتْ بك الحالُ إلى مخالفة العسكر علينا، والسعي في تلافنا، وما ذاك مما يُهِمُّك ونصبر عليه (١)، ويجب أن تنصرف عنا موفورًا في نفسك ومالك، وإلَّا قابلناك على قبيح أفعالك. فأغلظ ابنُ حمدان في الجواب، واستهزأ بالرسول، فبعث صاحب مصر إلى يلدكوز الملقب بأسد الدولة وهو شيخ الأتراك والمتقدِّم عليهم، وكان من المخالفين على ابن حمدان، فاستحضره واستحلفه، وتوثَّق منه ومن جماعة ممن يجري مجراه، وجمع الأتراك الذين معه والمغاربة وكُتَّابه إلى باب القصر، وعرف ابنُ حمدان، فبرَّز خيمةً إلى بركة الجيش، وأخرج صاحبُ مصر الخيمةَ الحمراء -وتُسمَّى خيمة الدم- فضربها بين القصرين، واجتمع الناس، وسار إلى حرب ابن حمدان، والتقَوا بمكان يُعرف بالباب الجديد، وورد أكثرُ مَنْ كان مع ابن حمدان بالأمان، وكان في جملتهم الأمير أبو علي بن الملك أبي طاهر بن بُوَيه، ثم قُتِلَ بعد ذلك، وانهزم ابنُ حمدان إلى الإسكندرية بنفسه، ونُهبت دورُه وأموالُه ودورُ أصحابه، ومضى إلى حيِّ من العرب فنزل عليهم، وتزوَّج منهم، وصار يشنُّ الغارات على أعمال مصر، وبعث إليه المستنصر جيوشًا وهو يهزمها، وجمع خلقًا كثيرًا، ونزل بالصالحية، واجتمع إليه مَنْ كان يهواه من المشارقة، وامتدَّ عسكرُه نحو عشرة فراسخ، وحاصر مصر من الظَّهر وفي الماء، وبلغتِ الراويةُ ثلاثةَ عشر قيراطًا، وكلُّ ثلاثة عشر رطلًا من الخبز بدينار، وعَدِمَتِ الأقواتُ، فضجَّ العوام، وخاف صاحبُ مصر أن يُسلِّموه إليه، فراسله وصالحه، واقترح عليه إبعاد يلدكوز ومن