سمع خلقًا كثيرًا، وروى عنه جمٌّ غفير، وذكره أرباب السِّير، فقال ابن السمعاني في "الذيل": هو إمامُ هذه الصنعة وعالمُها، ومن به ظهرت معالمُها، وأحيى رسومَها، ونشر علومَها.
وقال ابن عساكر: هو أحد الأئمة المشهورين والمصنِّفين المذكورين، والحفَّاظ المبرِّزين، ومَنْ به ختم ديوان المحدثين، وكان يذهب مذهب الأشعري، ولمَّا عاد من دمشق إلى بغداد وقع له جزءٌ فيه سماع القائم بأمر الله، فحمل الجزء، ومضى إلى باب الحجرة، وسأل أن يؤذَن له في قراءته، فقال الخليفة: هذا رجلٌ كبير السنِّ في الحديث، وليس له إلى السماع حاجة، ولعلَّ له حاجةً أراد أن يتوصل إليها، فسألوه فقال: حاجتي أن أُملي بجامع المنصور -وكانت الحنابلة قد منعته- فأذِن له، وحضر النقيب الكامل مجلسه، وأملى بالجامع.
وقال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي ﵀: من نظر في مصنَّفاته عرف قَدْرَ الرجل وما هُيِّئ له مما لا يتهيَّأ لمن كان أحفظَ منه كالدارقطني وغيره.
وقد روي عن أبي الحسين بن الطيوري أنَّه قال: أكثرُ كتب الخطيب مستفادةٌ من كتب الصوري ابتدأ بها.
قال الشيخ أبو الفرج: وقد يضع الإنسان طريقًا فيسلك، وما قصَّر الخطيب على كل حال، وكان حريصًا على علم الحديث، وكان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه، وكان حسنَ القراءة، فصيحَ اللهجة، عارفًا بالأدب، يقول الشعر الحسن، وكان قديمًا على مذهب الإمام أحمد رحمة الله عليه، فمال إليه أصحابه لمَّا رأوا ميله إلى المبتدعة وآذوه، فانتقل إلى مذهب الإمام الشافعي ﵁، وتعصَّب في تصانيفه عليهم، ورمز إلى ذمِّهم، وصرَّح بقدر ما أمكنه، فقال في ترجمة الإمام أحمد رحمة الله عليه: إمام المحدِّثين، ولم يذكره بالفقه، ونسبه إلى الصبوة، فقال في ترجمة حسين الكرابيسي: أيش نعمل بهذا الصبي إن قلنا: لفظنا بالقرآن مخلوق؟ قال: بدعة. وإن قلنا: غير مخلوق؟ قال: بدعة. ثم قدح في أصحابه مهما أمكن، ودسَّ في ذمِّهم دسائس عجيبة، من ذلك أنَّه ذكر مُهنَّا بن يحيى -وكان من أصحاب الإمام أحمد بن حنبل ﵁ فقال: قال الدارقطني: مُهنَّا ثقة نبيل. ثم حكى عن أبي الفتح الأزدي أنَّه قال: مُهنَّا منكر الحديث. وهو يعلم أن الأزديَّ مطعونٌ فيه عند