للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكلِّ وأول من ضعَّفه هو. قال: حدثني أبو النجيب عبد الغفار الأرموي قال: رأيتُ أهل الموصل يوهنون أبا الفتح الأزدي ولا يعدُّونه شيئًا. قال الخطيب: وحدثني محمد بن صدقة الموصلي قال: قدم أبو الفتح الأزدي بغداد على ابن بُوَيه، فوضع له حديثًا: أنَّ جبريل كان ينزل على النبي في صورنا، فأعطاه دراهم.

قال الشيخ أبو الفرج: أفلا يستحي الخطيب أن يقابل قولَ الدارقطني في مُهنَّا بهذا ثم لا يُبيِّن ضعفَ الأزدي؟ فما الَّذي وثَّقه في الطعن في مهنَّا وضعَّفه في غيره؟ وهذا يُنبئ عن عصبيَّةٍ وقلةِ دين.

ومال الخطيب على الحسن بن علي التميمي وأبي عبد الله بن بطة، وأبي علي بن المذهب، وكان في الخطيب شيئان؛ أحدهما الجريُ على عادة عوام المحدِّثين في الجرح والتعديل، فإنهم يجرحون بما ليس [يجرح] (١) لقلة فهمهم. والثاني: التَّعَصُّبُ على مَذهبِ الإمام أحمد وعلى أصحابه، وذكر في كتاب "الجهر بالبسملة" أحاديثَ يعلم أنها لا تصحُّ، وكذا في كتاب "القنوت"، وذكر في مسألة صوم يوم الغيم وتحريمه حديثًا يعلم أنَّه موضوع، واحتجَّ به، ولم يذكر عِلَّته، وقد صحَّ عن النبي أنَّه قال: "من روى حديثًا عني وهو يرى أنَّه كذب، فهو أحد الكذَّابين" (٢).

وقال إسماعيل بن أبي الفضل القُومِسي وكان من كبار الحُفَّاظ، صدوقًا، له معرفة حسنة بالرجال والمتون، عزيز الديانة: ثلاثةٌ من الحُفَّاظ لا أُحِبُّهم لشدة تعصبهم وقلَّة إنصافهم: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وأبو نُعيم الأصفهاني، وأبو بكر الخطيب.

ولقد صدق إسماعيل؛ فإن الحاكم كان متشيعًا، والآخران أشعريان متعصِّبان للأشاعرة والمتكلِّمين، وما يليق هذا بأصحاب الحديث؛ لأن الحديث جاء في ذمِّ الكلام، وقد أكَّد الإمام الشافعيُّ في هذا حين قال: رأي في أصحاب الكلام أن يُركبوا على البغال، ويُطاف بهم في القبائل.


(١) ما بين حاصرتين من المنتظم ١٦/ ١٣٣.
(٢) أخرجه أحمد (١٨١٨٤)، والترمذي (٢٦٦٢)، وابن ماجه (٤١) من حديث المغيرة بن شعبة، وأحمد (٢٠١٦٣)، وابن ماجة (٣٩) من حديث سمرة بن جندب، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (٩٠٣)، وابن ماجة (٤٠) من حديث علي بن أبي طالب، وهو حديث صحيح.