للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد صنَّف الشيخ جمال الدين بن الجوزي كتابًا سمَّاه "السهم المصيب في بيان تعصيب أبي بكر الخطيب" بيَّن فيه أغراضَه ودقائقَه وتعصُّبَه وبوائقَه، وأنه صرح بذمِّ الإمام أحمد رحمة الله عليه، فقال: وهم أحمد في مواضع، وذكر ما يدلُّ على أن الخطيب هو الواهم، وقد بسط الخطيب القول في ذمِّ أصحاب الإمام أحمد رحمة الله عليه، وقد أُجيب عن جميع ما ذكره وردَّ عليه.

وقال محمد بن طاهر المقدسي: لمَّا هرب الخطيب من بغداد عند دخول البساسيري إليها قدم دمشق، فصحبه حدَثٌ صبيحُ الوجه، فكان يختلف إليه، فتكلَّم الناس فيه وأكثروا، وبلغ والي المدينة، وكان من قِبَل المصريين شيعيًّا، فهجم عليه، فرأى الصبيَّ عنده وهما في خلوة، فقال للخطيب: قد أمر الوالي بقتلك، وقد رحمتُكَ، وما لي فيك حيلة، إلا أنني إذا خرجتُ بك أمر على دار الشريف بن أبي الجِنّ العلوي فادخل داره؛ فإني لا أقدر على الدخول خلفك. وخرج، فمرَّ به على دار الشريف، فوثب الخطيب فصار في الدهليز، وعلم الوالي، فأرسل إلى الشريف يطلبه منه، فقال الشريف: قد علمتَ اعتقادي فيه ومن أمثاله، وليس هو من أهل مذهبي، وقد استجار بي، وما في قتله مصلحة؛ فإن له بالعراق صيتًا وذكرًا، فإن قتلتَه قتلوا من أصحابنا عدة، وأخربوا مشاهدنا. قال: فيُخرَجُ من البلد. فأخرجوه، فمضى إلى صور، واشتدَّ غرامه بذلك الصبي، فقال فيه الأشعار، فمن شعره: [من البسيط]

تَغَيَّبَ الناسُ عن عيني سوى قمرٍ … حسبي من الناس طُرًّا ذلِكَ القمرُ

محلُّه في فؤادي قد تملَّكَهُ … وحازَ روحي فما لي عنهُ مُصْطَبرُ

أردتُ تقبيلَهُ يومًا مخالسةً … فصارَ في خاطري من خدِّهِ أثَرُ

وكم حليمٍ رآهُ ظنَّهُ ملَكًا … وراجعَ الفِكْرَ فيه أنَّهُ بشَرُ

وقال فيه أيضًا: [من الكامل]

بات الحبيبُ وكم لهُ من ليلةٍ … فيها أقامَ إلى الصَّباحِ مُعانِقي

ثمَّ الصباحُ أتى ففرَّقَ بيننا … ولَقَلَّما يصفو سرورُ العاشِقِ

وقال فيه أيضًا: [من البسيط]

الخمرُ والوردُ حقٌّ ليسَ أجحدُهُ … إذ ناسبا مَنْ بدا منه بلايايَ