للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونُسِبَ ذلك إلى الوزير بقول الأعداء والحُسَّاد، وواللهِ العظيم إن الأمر لم يجرِ على ذلك، ولا كان التأخُّر إلا بسبب ثوب نسيج يصلح للتشريف أبطأ الصُّنَّاعُ (١) في عمله، ويجب أن يكتب إليه ويُعلِمه حقيقة الحال؛ ليزول من خاطره ما خامر نفسَه، ما أوقعه فيه أعداء الوزير قبَّحهم الله تعالى.

وفي جمادى الآخرة خرج ابنُ أبي عمامة الواعظ يومًا، فرأى مغنِّيةً خارجةً من دور بعض الأتراك ومعها عود، فقطع أوتارَه، فعادت إلى التركي وشكَتْه، فأرسل غلمانه إلى داره، فهرب إلى الحريم، ودخل على ابن أبي موسى الهاشمي مُتقدِّمِ الحنابلة وشكا إليه، فقام ابنُ أبي موسى وجمع الحنابلة، وأدخلوا معهم أبا إسحاق الشيرازي وأصحابه، ودخلوا جامع القصر، واستغاثوا وطالبو بإزالة المنكرات وخراب المواخير، فتقدم الخليفةُ بتتبع الفواسد وإراقة الأنبذة ونحو ذلك، وطلبوا [صرْفَ سعد النجمي عن الحسبة، فصُرف، وطلبوا] (٢) ضَرْب دراهمَ يتعامل بها الناس، فأرسل الخليفة يقول: ارجعوا إلى منازلكم، ونحنُ نُكاتب عضد الدولة بما سألتم، فلطم ابنُ أبي موسى رأسه وصاح: ليَبْكِ على الإسلام من كان باكيًا، زالت الرِّبقة (٣)، وبطلت طاعتُنا لهذا الإمام. وقام قاصٌّ يُعرف بابن أبي عفانة، فقال: يا معشر المسلمين، هذا الشريف يلطم وينوح على الإسلام فبادروا إليه، واجتمعوا عليه، فمن قائل: ليس هذا الإمام بخير من عثمان بن عفان. وآخر يقول: هذه الأموال التي في يده لنا. وآخر يقول: ما له في رقابنا بيعة، وأكثر من ذلك. وأمروا المكديين والغَوغاء أن يتحدَّثوا على الطرق بذلك وشاع، وانخرقت هيبةُ الخلافة (٤)، وكان الوزير يرى قمعهم بالهيبة، والخلبفةُ يجري في ذلك على عادته في الصبر والرفق، ثم استدعى أبا إسحاق الشيرازي إلى باب العزبة وعَتَبه، فانصرف إلى داره، وتفرَّق جمعُه، وأما ابنُ أبي موسى وأصحابُه فأقاموا بالجامع، وقالوا: ما نبرح حتَّى يتمَّ الفعل، وإلا فهذا دفع. فغاظ الوزيرَ ذلك، وأرسل إلى سعد الدولة الكوهراني وقال: اقبِضْ على هؤلاء المفتنين. فقبض على بعضهم ونكَّل بهم،


(١) في (ب): السلطان.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) الرِّبقة؛ واحدة الرِّبْق، والرِّبْق: حبلٌ ذو عُرى. المعجم الوسيط (ربق) ويقال: خلع الربقة عن عنقه: نقضَ عهده. المحكم ١/ ٤٥.
(٤) في (ب) الثلاثة، والمثبت من (خ).