وقيل: إنما كتب إلى السلطان بجهل مسلم وحُمقه، وفساد عقله، وسوء تدبيره، وإيحاشه العشيرة والحواشي وإبعادهم، ولمَّا قبض مسلم على أخيه إبراهيم واعتقله في قلعة سنجار، وأراد التوجُّه إلى باب السلطان، استحضر المستحفظ بإبراهيم ووصَّاه، فترك ابنُ صقلاب يدَه على فَخذِ مسلم، وقال للمستحفظ: إن جاءك رأس هذا الأمير فلا تُفرِجْ عن إبراهيم حتَّى تراني. ولمَّا انقضى المجلس دخل المستحفظ على مسلم وقال: أيها الأمير، قد سمعتَ ما قال فلان، فأيُّ شيءٍ ترسم أنت؟ فقال: هذا رجل أحمق جاهل لا تلتفِتْ إلى قوله، واحفظ إبراهيم إلى أن أعود من خراسان، فإن هلكتُ أو اعتُقِلتُ فالأمير بعدي إبراهيم، وأطلِقْه ولا تنتظِرْ به شيئًا.
وفيها كانت تَوبَةُ أبي الوفاء بن عقيل، وكان قد قرأ على ابن الفراء وبرع، وكان فيه ذكاء وحِدَّة وجرأة، فقصد ابن الوليد المعتزلي سرًّا، وقرأ عليه الكلام ومذهب الاعتزال ومذهب الأوائل، واعتلَّ، فأودع كتبه وقال: إن أنا مِتُّ فأحرِقوها بعدي. فوقف المُودع فرأى فيها تعظيمَ المعتزلة والترحُّم على الحلَّاج، وأشياءَ تخالف الدين، وأنه يجوز أن يكون لله ولد على وجه التحنُّن والتعطُّف والشفقة والتربية، وما أشبه ذلك، فحمل الكتب إلى ابن أبي موسى إمام الحنابلة، فطلبوه ليقتلوه، فهرب إلى الحريم الخليفتي، وشرع في استِسْلالِ سخامْ الحنابلة، فاستتبَّ له ذلك واستتيب، وأخذ خطُّه، وأشهد عليه، وأقرَّ في الديوان بما كتبه على نفسه، وانصلحت الحال، ولم يحضر ابنُ أبي موسى الديوان لأجل التكبُّر عليه للأمر الَّذي جرى منه لأجل المواخير، وانصرف ابنُ عقيل من الديوان إلى ابن أبي موسى بدرب الدوابِّ فصالحه، وتقدَّم ابنُ أبي موسى إلى معالي الَّذي أودعه ابنُ عقيل كُتبَه بأن يُسلِّمها إليه، فسلَّمها إليه، فغسلها، وقيل: إنه لم يغسلها، وطهرت بعد موته، وكان الوزير ابنُ جَهير يتعصَّب له، ولولا ذلك لقُتِل، ونسخة ما كتب به خطه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يقول علي بن عقيل بن محمد: إنَّني أبرأُ إلى الله من مذهب المبتدعة للاعتزال وغيره، ومن صحبة أربابه وتعظيم أصحابه، والترحُّم على أسلافهم، والتكثُّر بأخلاقهم، وما كُتِبَ علَّقتُه ووُجد بخطي من مذاهبهم وضلالاتهم،