الروم، وكان نظام الملك قد استقرض للسلطان منها خمسين ألف دينار، فجاء لوداعها، فنَمَتْ عليه وتهدَّدته، وأظهرت أنها تقصد النازوكية، [والمقابلة ما عوملت به من القبيح](١) وكانت عند قتل قاروت بك قد انصرفت من الري مستوحشة، ونهبت ما به من أعمال بنيسابور، وعاد نظام الملك إلى ملكشاه وأخبره بما أظهرت وما قد عزمت عليه، فبعث وراءها مئتي غلام، وأمرهم بقتلها، فساروا خلفها وقد رحلت مرحلتين أو ثلاثًا ولم تعلم بهم، وكانت في عسكر كثير، فجاء منهم سبعة غلمان، فهجموا عليها السُّرادق، وقتلوها عَجِلين بعد أن جرحت منهم ونكأت فيهم، ووقعت عليها جارية من جواريها تفديها بنفسها، فجُرحت عدة جراحات، وجاء باقي الغلمان وحفظوا خيمتها ومالها، وحملوا الجميع إلى ملكشاه، وسأل عن الجارية المجروحة، فأخبروه خبرها، فاصطفاها لنفسه لِما بلغه من نصحها ومحافظتها على عهد سيدتها.
وفي رمضان خرج عميد الدولة ابنُ جَهير إلى ملكشاه لأجل البيعة للمقتدي، وحمل معه ثمان مئة ثوب منوعة وخمسة عشر ألف دينار. وقيل: إنه بعث له عشرة آلاف أخرى.
وفي رمضان التقى أتْسِز التركماني صاحب القدس بشكلي في الساحل، فهزمه، فجاء شكلي منهزمًا إلى رفنية، ونزل أتْسِز فحاصر دمشق.
ومن العجائب أنه في شوَّال وقع ببغداد حريقٌ من الجانبين، أكلت النار البلد في ساعة واحدة، وأول ما وقع بدكان خباز بنهر مُعلَّى، فأتت على السوق جميعه، ثم وقعت في مطبخ الخليفة، ثم في باب الأزج، ثم وقعت في باب البصرة والكَرخ ونهر طابق والمحال الغربية، فصارت بغداد تلولًا كما جرى عليها في الغرق.
وورد الخبر من واسط بأنها احترقت في ذلك الوقت أيضًا، فكان في كتاب ابن قاضيها إلى قاضي القضاة الدامغاني يقول فيه: وإن النار أحرقت البزَّازين والنخَّاسين ودار القاضي الوالد وغيره، حتى أتت على ما فيها من ثياب وقماش وذهب وفضة وحنطة وشعير وخزانة الحكم والسجلات، وخرج القاضي عريانًا بعد أن أشرفنا على الهلاك، وافتقر الناس وجلسوا على الطرقات.