للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلبتُ معونةً، وأقمتُ له الدعوة وما أَخْلَيتُه مما أقدر عليه من حمل الأموال، وقد بلغني ما عليه العزم من إنفاذ الأمير تاج الدولة تُتُش، وما هاهنا من يقتضي استعمال ذلك وإبعادي عن الخدمة ونظري في جملة الأعداء والأضداد، وذكر كلامًا كثيرًا هذا معناه. وقال: وأنا بإزاء مَنْ بمصر من خليفة وجند ورجال ودولة وأموال لا بُدَّ لمن يقاومها أن يجعل نفسه في عدادها، ويتحمَّل لحمالها، ولمَّا وقف نظام الملك على كتابه بعث إليه بقَباء السلطان وقَلَنْسوته [وفرسه] (١) وسيفه وتُرسه تشريفًا له وإكرامًا، وطيَّب قلْبَه.

وفيها قبض بدر الجمالي على قاضي الإسكندرية ابن المُحَيرق وجماعةٍ من صالحيها وفقهائها، وأخذ منهم أموالًا عظيمة.

وفي ذي الحجة وردت كتب أتْسِز على الخليفة بفتوح دمشق صلحًا وتسليمها إليه، وسببه اتِّصالُ الحصار، وغلوُّ الأسعار، وموتُ أهلها، وأن كارة الطعام بلغت نيِّفًا وثمانين دينارًا مغربية، وبقيت على ذلك أربع سنين، والكارتين ونصف غرارة بالشامي، وهذا شيء كثير، الغرارة بمئتي دينار ثمنها ثلاثة آلاف درهم.

وفي ذي الحجة أُعيدت الخطبة، وسببه أنَّ السلار الخراساني قرَّر مع الشريف أبي هاشم أمير مكة أن يزوِّجه أختَ السلطان ملكشاه، فتعلَّق طمعُه بذلك، ومنَّتْه نفسُه الأماني، فقال لبني عمه: إنما كنا نخطب للدولة المصرية لمالٍ يُرجى، أو خوفٍ يُخشى، والآن فلم يبقَ هناك ما نخافه، وليس من الصواب خروجُنا عن دولة السلطان خوفًا على نفوسنا، وينبغي أن نبعث إلى هناك رسولًا يخبرنا بشرح الحال، فإن كانت الأمور على السداد ثَبَتْنا على ما نحن عليه، وكان بنو عمِّنا أحبَّ إلينا وأكرمَ علينا، وإن كان بخلاف ذلك دبَّرنا أحوالنا. فأنفذوا إلى مصر اثنين من ثقاتهم، وأمروهما أن يظهروا أنهما وردا للإفادة والتماس الصِّلات، واستدعاء المال المحمول كلَّ سنة مع الكسوة، واستجلاب بدر الجمالي لهم، فذهبا وعادا ومعهما رسول من مصر بعشرةِ آلاف دينار -وقيل: قيدٌ من ذهب أيضًا مع المال وزنُه ثلاثة آلاف مثقال ليحلف ابن أبي هاشم لصاحب مصر ويُقَيِّدَ نفسَه على عادتهم- وكسوةِ البيت دبيقية، وخِلَعٍ لأمير مكة


(١) ما بين حاصرتين من (ب).