فأسلم، وخرجوا معه، وقصدوا باب النُّوبي، وعزموا على الهجوم على ابن أبي موسى [في](١) مسجده، ورتب ابنُ أبي موسى أصحابَه على سطحِ المسجد وبابِه وجوانبِه، فلمَّا وصلوا رماهم الحنابلة بالآجر من سطح المسجد، فقُتِلَ واحدٌ من الشافعية خياطٌ من سوق الثلاثاء، وخرج آخرون، ووقع في صاحب الباب آجُرَّة، وانهزم الشافعية، وغلقوا أبواب النظامية، ونُهبت عمائمُ الناس، وصاحت الشافعية على باب النُّوبي: المستنصر يا منصور؛ تهمةً للمقتدي أنه يميل إلى الحنابلة، وأُدخِلَ ابنُ أبي موسى إلى دار الخليفة، وأُسكِنَ في موضع؛ حراسةً له، وحجرًا عليه، وكفًّا للفتنة، وغضب أبو إسحاق الشيرازي وجمعَ أصحابَه، وعزمَ على الخروج من البلد، فبعث الخليفةُ مَنْ ردَّه، وأحضر ابنَ القشيري وأبا سعد الصوفي وأبا إسحاق وابنَ أبي موسى إلى الديوان، وأُصلحت الحالُ، ووقع التراضي بأنَّ ابن القشيري يجلس بجامع القصر مجلسين أو ثلاثًا، فلمَّا كان يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي القعدة جلس بالجامع، وبعث الخليفةُ جماعةً من الرجالة بالسلاح يحفظونه من العوام، فشرع في الوعظ، وخلَّط بكلام الأشعري، فقام رجل أعمى وقف بإزائه وانتزع آياتٍ من القرآن، مثل: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤] ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ [القلم: ٤٢] ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو﴾ [الرحمن: ٢٧] وما أشبه ذلك، فشكى ابنُ القشيري إلى ابن جَهير، فحبس الأعمى، والفتن قائمة، ووردت رُسُلُ أبي إسحاق الشيرازي في المُحرَّم سنة سبعين ومعهم كتابان إلى فخر الدولة ابن جَهير وابنِه عميد الدولة أبي منصور، فمضمون كتاب فخر الدولة: كتابي أطال اللهُ بقاء سيِّدِنا الوزير الأجلّ السيد مؤيد الدين فخر الدولة شرف الوزراء، أدامَ الله رفعتَه وتمكينَه وبسطتَه، وذكر ما جرت به العادة من الدعاء، وقال: بلغنا ما تجدَّد ببغداد من القضايا المتعلِّقة بالدين التي تظهر في أثنائها على الصُّدفَة، واعتقادُ المداهنين يُشعر بأن الضمائر المنطوية على النفاق أبَتْ إلا ما تُكِنُّه، والسرائر المعقودة على الخِلاف والغلِّ لم تصبر على استحفاظ ما تُجِنُّه، حتى ورد إثرَ ذلك عدةٌ من الفقهاء ونفرٌ من العلماء، فأوضحوا ما يجري هناك مما كانت تخفى حقيقتُه وجَليَّتُه، وما ظهرت بذلك صورتُه، ولعمري إن هذه الطائفة -يعني