للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشافعية- إذا قَلَّتْ غواتهم ولم يجدوا فيما دَهمَهم مَنْ ينصرهم ويُظافرهم، ولم يقُم معهم فيما حزَبَهم ويؤازرهم، كان كانوا لم يزالوا مُقدَّمين مميَّزين مُكرَمين فلم يُصبحوا أغراضًا لِسهام النوائب يطعن فيهم كلُّ مخالفٍ ومُجانبٍ، لا يرعى لهم حُرمة، ولا يرقُبُ فيهم إلَّا ولا ذِمَّة، غير اعتقاد المذهب الذي هم به موسومون، ومن علومه يتعلمون، وقد بنينا لهم مدرسةً تفسير مأواهم، ويتَّخذونها في السراء والضراء مثواهم، وإن هؤلاء الذين ينتحلون مذهب أحمد بن حنبل -وإن كان هو بريئًا من سوء دَخَلِهم وأفعالهم، منتفيًا من ذميم طرائقهم وأقوالهم، مع كثرةِ عددهم في تلك البقعة واشتداد شوكتهم، واتفاقِ أقاويلهم في الضلال وكلمتِهم- لم يتجاسروا في زمن الأزمة على ما جعلوه الآن بينهم سورةً يتدارسونها، وصَنْعَةً يمارسونها، مِنْ سبِّ الأئمةِ، والوقيعةِ في علماء الأمَّةِ، من غير منعٍ ولا معاقبة، ولا تخوُّفٍ ولا مراقبة، والعجبُ من إقدامهم في تلك البقعة الحرجة على أهل السنة، وإلقائهم إياهم في كلِّ محنة، وعندنا بخراسان وبلاد الترك -مع تباعُدِ أقطارها واتساع أكوارها- لا يُعرف فيها سوى مذهب الإمامين الشافعي وأبي حنيفة، ومَنْ سُمِعَتْ منه كلمةٌ عوراء في سائر كُوَرِها تُخالف المذهبين وتُباينُ اجتماعَ الفريقين نرى دمَه حلالًا، ونُوسِعُهُ ضربًا وإذلالًا، وليس الإغضاءُ عمَّا يبدو منهم من البدع، ويُضاف إليهم من شرٍّ مجتمع، إلا ترفُّقًا أن يجري في جوار الخِلافة المُعَظّمةِ وسُدَّةِ (١) الإمامة المكرمة ما يُخِلُّ بلوازم الهيبة، ويفلُّ جوانب التعظيم والرَّهْبَة (٢)، وأما ما يخصُّني أنا في ذلك البلد فما أجدُ أصلَحَ من حسم القول فيما يتعلق بتلك المدرسة؛ لئلَّا يجري على من يتفيَّأ ظلَّ عنايتي، ويلحَظُ بعين رعايتي ما يجري، وذكر كلامًا طويلًا ممزوجًا بتهديد، وكذا كتاب عميد الدولة.

وحكى أبو الفتح الحلواني -وكان قد حضر هذه القضية- أنَّ الخليفة لمَّا خاف من تشنيع الشافعية عليه عند نظام الملك أمر الوزير أن يُجيل الفكر فيما يحسم به الفتنة، فاستدعى ابنَ جردة، وأمره بإحضار الشريف أبي جعفر وأبي إسحاق الشيرازي وابن القُشيري وأبي سعد الصوفي على وجه التلطُّف، فأحضرهم، فعظَّم الوزيرُ أبا جعفر ابنَ أبي موسى ورفَعَه،


(١) في (خ): الخليفة العظمة وشدة.
(٢) في (خ): الوفية.