للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: إن أمير المؤمنين قد ساءه ما جرى، وهؤلاء يصالحونك على ما تريد، وأمرهم بالدنوِّ من الشريف، فقام أبو إسحاق الشيرازي إليه -وكان يتردَّد إلى مسجده أيام المناظرة بدرب البطيخ- فقال له: أنا الَّذي تعرف، وهذه كتبي في أصول الفقه أقول فيها خلافًا للأشعرية. ثم قبَّل رأسه، فقال له الشريف: قد كان ما تقول، إلَّا أنك لمَّا كنتَ فقيرًا لم يظهر لنا منك ما في نفسك، فلما جاء الأعوانُ والسلطانُ وخواجا بزرك أبديتَ ما كان مخفيًّا. ثم قام أبو سعد الصوفي وقبَّل يدَ الشريف وتلطَّف به، فالتفت الشريف إليه وقال: أيها الشيخ، أمَّا الفقهاء فإذا تكلَّموا في الأصول فلهم في مسائلها مدخل، أمَّا أنت فصاحب لهو وسماع وتغبير، فمن زاحمك على ذلك حتَّى أقمتَ الفتن وسوقَ التعصُّب؟!. وقام ابن القشيري -وكان أقلَّهم احترامًا للشريف لجروانه معه- فقال الشريف: من هذا؟ فقيل: أبو نصر بن القشيري. فقال: لو جاز أن يُشكرَ أحدٌ على بدعته لكان هذا الشاب؟ لأنه بادَهَنا بما في نفسه، لم ينافقنا كما فعل هذان. ثم التفت إلى الوزير، وقال: أيُّ صلحٍ بيننا؟ إنما يكون الصلح بين خصمين على ولايةٍ أو دَين أو قسمةٍ لميراث، أو تنازعٍ في ملك، فأمَّا هؤلاء القوم فيزعمون أننا كفار، ونحن نعتقد أنَّ من لا [يَعتقِدُ ما] (١) نَعتَقِدُهُ فهو كافر، وهذا الإمام مفزَعٌ للمسلمين، وقد كان جدُّه القادر وأبوه القائم أخرجا اعتقادًا للناس، وقُرئ عليهم في دواوينهم، وحمله عنهما الخراسانيون والحجيج إلى أطراف خراسان، ونحن على اعتقادهما. وأنهى الوزير إلى الخليفة ما جرى، فخرج الجواب: عُرِفَ ما أنهيتَه من حضورِ ابن العم - كثَّرَ اللهُ في الأولياء مثلَه - وحضورِ مَنْ حضر من أهل العلم - والحمد لله - على جمع الكلمة، وضمِّ الأُلفة، فليؤذَنْ للجماعة في الانصراف، وليقُلِ الشريفُ أنَّه قد أُذِنَ له موضعٌ قريبٌ من الخدمة ليراجع في كثير من الأمور الدينية، وليتبرَّك بمكانه، فلمَّا سمع الشريف هذا قال: أفعلمتوها؟. فحُمِلَ إلى موضع أُفرِدَ له، فكان الناس (٢) يدخلون عليه مدة، فقيل له: قد كثُرَ استطراق الناس لدار الخلافة، فاقتصِرْ على من يُعين دخوله. فقال: ما لي غرضٌ في دخول أحد عليَّ. فامتنع الناسُ عنه، ثم مرض مرضًا أثَّر في رجليه فانتفختا، فيقال: إن بعض المتفقِّهة من الأعداء ترك له في مداسه سمًّا، وسنذكره إن شاء الله تعالى.


(١) ما بين حاصرتين من ذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٥.
(٢) من هنا يبدأ السقط من الأصل (ب) وينتهي بنهاية السنة (٤٧٣) هـ.