للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي يوم الخميس النصف من صفر قدم مؤيد الملك بن أبي بكر نظام الملك إلى بغداد، وخرج إلى لقائه الوزير فخرُ الدولة بن جَهير وولدُه عميد الدولة وجميعُ الخدم والحُجَّاب إلى الحلبة، وجاء إلى بيت النوبة، فخدم وانصرف.

وفي يوم الخميس سابع عشر ربيع الأول تُوفِّي القاضي أبو عبد الله محمد بن محمد بن البيضاوي، الشافعي.

وفي ربيع الأول ظهر في السماء حُمرةٌ مستديرةٌ كنصف دائرة كبيرة، ثم عقبها ريحٌ شديدةٌ ورعدٌ وبرقٌ شديد، ووقعت منه صاعقةٌ في محلة التُّوتةِ غربي بغداد على نخلتين في مسجد فأحرقَتْهما، واشتعل سَعَفُهما وكَرَبُهما ولِيفُهما، وأخذ الصبيان من السَّعَفِ والنار تشتعل فيه وهو يَقِدُ كالشمع وأُطفِئت النار (١).

وفيه جاء خطلج دُزْدار (٢) أمير المؤمنين إلى الديوان يطلب تشريفًا، وكان قد ظلم أهلَ الكوفة وأخذ أموالهم، فقيل له في الجواب: ما تقدَّم منك ما يوجب ذلك، ولا ما يقتضيه. فخرج مُغضَبًا، وعاد إلى الكوفة، واجتاز بنهر الملك، فقبض على نائب الخليفة في ضياعه، وأخذه معه إلى الكوفة، ثم أطلقه، فكتب الوزير إلى نظام الملك بما جرى وما أقدَمَ عليه خطلج من خرق الهيبة، فكتب نظام الملك من ديوان ملك شاه كتابًا إلى خطلج يُوبِّخه ويلومه ويقول: أيها السلار سيف الدولة، وفَّقكَ اللهُ للرشد، إن قوامَ الدين والدنيا ومصالحَ البلاد والعباد وسكونَ الدهماء ونظامَ الأحوال كلَّها معقودٌ بأُبَّهة المواقف الشريفة المقدسة النبوية الإمامية المقتدية، ظاهرَ اللهُ مجدَها، وقمعَ ضِدَّها، التي هي الظِّل الظليلُ في أرضه، ورحمتُه على خلقه، وجميعُ ما يشملنا ويصفو لنا ويصفو علينا، من عوارف الله تعالى ومواهبه ونعمه وعوائده، فمِنْ أيامِها الزاهرة، ودولتِها القاهرة، وبركاتِ توفُّرِنا على عبوديتها، وقيامِنا بمفروضِ طاعتها، وانتسابِنا أين كنَّا وحيث حلَلْنا إلى خدمتها، ومَنْ يبغِ في خلافِ خلافِها، ومدَّ عُنُقَه عن ربقة بياعتها، فلا همَّ لنا إلَّا شدْخَ هامته، وإقامةَ قيامتِه كيف وافى، ومن أين لكَ أن تُلِحَّ على السُّدَّة العزيزة بما لو ورد إلى فَمِكَ لهَتَمه (٣)، ولو حُمِلَ على ظهرك


(١) الخبر بنحوه في المنتظم ١٦/ ١٩٠. والكَرَبُ: جمع كَرَبة، وهي أصل السَّعَفةِ العريضة. اللسان (كرب).
(٢) في (خ): أدرار، ودُزْدار: لفظ أعجمي معناه: حافظ القلعة وهو الوالي. وفيات الأعيان ٧/ ١٤٢.
(٣) الهَتْم: الكسر. المعجم الوسيط (هتم).