لقصَمَه، ثم تُلفي في منصرفك عنها بعضَ المنتمين إليها فتُرجِّله عن دابته وتمدُّ يَدَك إلى أذيته، ولقد عظُمَ علينا استماعُ ما تمادى منك إليه، وما بدا من فعلك المستنكرِ عليه، ولو رأتِ المواقفُ الجلاليةُ تقويمَكَ بأن تجعلك عبرةً لغيرك لأمرتُ به، ولكنَّها أبَتْ عواطفُها الكريمة، ورحمتُها الواسعةُ العميمة إلا إعراضًا عن جريمتك، وإغضاءً عن عقوبتك، ولعِلْمنا بأنَّ المواقف المقدسة الإمامية لا تستجيز عقوبتك، ولا ترى مقاتلتك، فمَرِّغْ خدودَك على تراب الهيبة الشريفة، وتضرَّعْ إلى مكارم تلك المراتب المُنيفة، وتعلَّق بأذيال تلك المكارم الفائضة، واستدِرَّ ظلال الرحمة الواسعة، وذكر كلامًا هذا معناه.
وفيها ورد كتاب أرتق بك من الأحساء باستظهاره على القرامطة وأخْذِ بلادهم وغنيمتِهم، فحضر أرتق بك في الديوان وقرأه، وخرج توقيع الخليفة يشكره، وخلع عليه، وأعطي الفرس بمركب ذهب والمنجوق وثيابًا.
وفي شعبان تُوفيت بنت الوزير نظام الملك زوجة عميد الملك، وجلس الوزيرُ ولدُه في العزاء، ودُفنت بدار الوزير بباب عمورية، ولم تكن العادةُ جاريةً بالدفن فيما يدور عليه السور.
وفي رمضان حُمِلَ إلى مكة منبرٌ كبيرٌ مُذْهَب، تولَّى عمَلَه فخر الدولة بن جَهير في داره، وكُتِبَ عليه اسم الخليفة وألقابُه والآياتُ المتعلقة بالحاج ومكة، فاتَّفق وصولُه إلى مكة وقد أُعيدت الخطبة المصرية، فآل أمرُه إلى أن أُحرِقَ.
وفيها ورد كتاب نظام الملك إلى أبي إسحاق الشيرازي جوابًا عن كتابه المتقدِّم يشكو فيه الحنابلة نسخته: وردَ كتابُكَ أيها الشيخ بشرحٍ أطَلْتَ فيه الخطابَ، وندبتنا إلى استدعاء الجواب، وليس من الواجب أن نتحيَّز في المذهب إلى جهةٍ دون جهة، وليس ذلك مقتضى السياسة والمعدلة في الرعية، ونحن بتأييد السُّنن أولى من تشييد الفتن، ولم يتقدَّم بنيان هذه المدرسة إلا لضيافة العلم والمصلحة، لا للاختلاف وتفريق الكلمة، ومتى جرت الأمورُ على خلاف ما أردناه من هذه الأسباب فليس إلَّا التقدم على بغداد ونواحيها، ونقلهم عما جَرَتْ عليه عادتهم فيها، فإن الغالب هناك هو مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، ومحلُّه بين الأئمة وقدرُه