معلومٌ في السنة، وكان ما انتهى إلينا أن السبب في تجديد ما تجدَّد مسألة سئل عنها أبو نصر بن القشيري من الأصول، فأجاب عنها بخلاف ما عرفوه من معتقداتهم، وألِفوه من عادتهم، فنقموا ذلك عليه، وليس في العادة أن يُجبَر الإنسان على الانتقال من مذهبه، ولا عن الانحراف عن معتقده، ومعلومٌ أنَّ أهل قاشان كانوا على مذهب أبي حنيفة، فلم يكن يلزمهم أصحاب الشافعي الدخول في معتقدهم، وكذا أصحاب الظاهر اعتقدوا مذهب الشافعي، فلم يُلزمهم أصحابُ الرأي الخروجَ عن مذهبهم، وقد منع اللهُ عن ذلك مَنْ تقدَّم، فقال: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٨] وقد كان أهلُ المذاهب بأصبهان وغيرها من البلاد أكثرَ انتشارًا منه ببغداد، فلم يتقدَّم إليهم في ذلك بما يشقُّ به عليهم، والشيخ أبو إسحاق فرجلٌ سليمُ الصدر، سلسُ الانقياد، يُصغي إلى كلِّ ما يُنقل إليه، ويقع تعويلُه عليه، وعندنا مِنْ تضادُدِ كتُبه ما يدلُّ على ما وصفناه من سهولة مجتذبه، والسلام. وبلغَ الحنابلةَ، فسُرُّوا واطمأنُّوا، وانبسطوا واستطالوا، فلمَّا كان في اليوم الثامن من شوال ومجتمع الناس للبطالة والفرجة خرج من مدرسة النظامية فقيهٌ يُعرَفُ بالإسكندراني - وكان معروفًا بإثارة الفتن - ومعه جماعةٌ من أبناء جنسه إلى سوق الثلاثاء، فتكلم بتكفير الحنابلة، فثاروا عليه وضربوه، ونُهِبَ السوقُ، وقُتِلَ بينهم رجلٌ من الشافعية، وثارت الفتنة، وترامَوا بالنُّشَّاب، وبعث الخليفةُ أصحابَه وخدمَه الخواصَّ، ففرَّقوا بينهم، وحُمِلَ القتيلُ إلى الديوان، وكُتِبَ إلى نظام الملك بشرح الحال، فجاءت منه مكاتبات بضد الأول، وأن يُدخِلَ العميدُ يدَه في بعض إقطاع الخدمة الذين نشِبتْ إليهم الفتنة، ووصل تاج الدولة تُتُش أخو ملك شاه إلى الشام.
وفي يوم السبت التاسع عشر من شوال وُلد للخليفة مولودٌ سمَّاه أحمد، وكنَّاه أبا العباس، وجلس الوزير فخر الدولة في باب الفردوس للهناء، وغُلِّقت بغداد من الجانبين سبعة أيام، وهذا المولود ولي الخلافة وهو المستظهر بالله، ووُلِدَ له في ذي القعدة آخرُ سمَّاه هارون، وتُوفِّي في العشر الثاني من رمضان سنة إحدى وسبعين وأربع ومئة (١).